الضَّبط الاستنادي وتوحيد الجهد التوثيقيّ VIAF نموذجًا

الضَّبط الاستنادي وتوحيد الجهد التوثيقيّ VIAF نموذجًا

*فاطمة شاهين

إنَّه عصر الاتصال؛ عصر الروابط والتشبيك. يبشّرنا العاملون على الويب الثالث (Semantic Web) الذي يتحضّر العالم للدخول إلى مرحلته، بأنَّ شبكة الإنترنت التي أسموها الشبكة العنكبوتية، لكثرة تشعّباتها وقدرتها على الوصول إلى المعلومات، ستتخطّى توقعاتنا في تأمين ما نحتاجه من معلومات بشكل أكثر ترابطًا ودقة. وبذلك، فإنَّ وصف الوثائق ومصادر المعلومات، سواء كانت كتبًا أو دوريات أو وثائق أرشيفية، تحتاج في توثيقها ووصفها إلى استخدام مصطلحات مضبوطة ومترابطة، كي تستطيع أيّ معلومة أن تحيلنا إلى ما يرتبط بها، وهكذا تتوسّع مدارك البحث وتتَّسع مساحته. هذه العمليَّة هي ما نسمّيه الضبط الاستنادي.

فما هي، إذًا، علاقة الفهرسة بالضّبط الاستنادي؟ وما هي أهميته في الوصول إلى مصادر المعلومات بشكل أكثر ترابطًا ودقةً؟ كيف يتمّ الضبط؟ وكيف يمكنه أن يساهم في توحيد الجهود التوثيقيَّة حول العالم؟

في البدء تكون الفهرسة
أوَّل ما يقوم به المفهرس حين يأخذ مصدر المعلومات لفهرسته، هو أن يُنشئ له ما يشبه الهُوية، أي بطاقة ببليوغرافية أو ما أصبح اليوم إلكترونيًا يُعرف بالتسجيلة الببليوغرافية، وهي تحتوي كل المعلومات التعريفية بهذا الكتاب أو بمصدر المعلومات الذي بين يديه، مهما كان نوعه (كتاب، مجلة، مقالة، CD، خريطة، وثيقة وغيرها)، فإذا أخذنا كتاب “ما بعد الشيوخ: الانهيار المقبل للممالك الخليجية”، كمثال، سنجد في تسجيلته الببليوغرافية اسم مؤلّفه: كريستوفر م. ديفيدسون، وكلّ بيانات المسؤولية من معدّ ومحقّق ومترجم وغيرهم.

وهنا، سنجد المترجم اسم هيئة Corporate body، وهي مركز أوال للدراسات والتوثيق، العنوان: ما بعد الشيوخ، العنوان الفرعي: الانهيار المقبل للممالك الخليجية، مكان النشر: لبنان، الناشر: مركز أوال للدراسات والتوثيق، تاريخ النشر: 2014، اللغة: النصّ بالعربية مترجم عن الإنكليزية، وغير ذلك مما يمكن أن يعرّف عن هُوية هذا الكتاب. هذه العملية تُسمى الفهرسة الوصفيَّة، لأنَّ المفهرس يصِف فيها مصدر المعلومات.

بعد الفهرسة الوصفيَّة، تبدأ مرحلة الفهرسة الموضوعيَّة، حيث يقوم المفهرس بتسجيل الموضوعات التي يُعبّر عنها مصدر المعلومات. وتكون هذه الموضوعات عبارة عن مصطلحات مقنّنة، وهي مصطلحات متّفق على استخدامها من قبل جهة معيَّنة للتعبير عن موضوع معين. واللائحة التي تصدر بكلّ الموضوعات عن هذه الجهة، يمكن استخدامها عالميًا من قبل أكثر من مكتبة أو مركز توثيقيّ، فتصبح المصطلحات المعتمدة موحّدة بين من يستخدمون هذه اللائحة، فتجدهم جميعهم يستخدمون، على سبيل المثال، مصطلح “الطاقة الكهربائية” بدلًا من “الكهرباء”، أو “التلفون” بدلًا من مصطلح “الهاتف”.

قد تختلف طريقة الوصف المادي والموضوعي بحسب نوع مصدر المعلومات. وهنا، لا نتكلَّم فقط عن الكتب، بل المجلات والصحف والنشرات، أي ما يُطلق عليه اسم الدوريات، وكذلك الوثائق الورقية والإلكترونية، ومنها ما يشكّل الأرشيف بأنواعه المختلفة. وهكذا، لا بدَّ من أن يكون العمل بالاعتماد على قواعد عالمية، من مثل قواعد الفهرسة (AACR2، RDA)، أو المعايير العالمية، من مثل معيار Dublin core.

إنَّ المبدأ في وصف المصادر بين المكتبات ومراكز الأرشيف واحد، لذلك، فإنّ علم المكتبات وعلم الوثائق يُدرّسان في اختصاص واحد بات يُطلق عليه اليوم “إدارة المعلومات”.

ما هو الضبط الاستنادي؟
لقد تحدَّثنا، فيما سبق، عن مبادئ عامَّة في الفهرسة ووصف مصادر المعلومات، إلا أنَّ التكنولوجيا، بما حملت من اتّساع في فرص الوصول إلى المعلومات والمعرفة، تطلّبت طرقًا جديدة في وصف المصادر وإتاحتها، وهذا بالضبط ما أُطلق على قواعد الفهرسة الجديدة التي يعتمدها المفهرسون، فبات اسمها “قواعد وصف المصادر وإتاحتها” RDA: Ressources Description and Access.

إنَّ موضوع الضَّبط الاستناديّ ليس حديثًا مع استحداث تكنولوجيا المعلومات. وحين نتحدَّث عن مرحلة من مراحل الفهرسة، وهي اختيار نقاط الإتاحة، أي اختيار حقول معيَّنة في التسجيلة الببليوغرافية تكون بحدِّ ذاتها نقاطًا يبحث من خلالها المستفيد (الاسم، العنوان، الموضوع، السلسلة…)، فإنَّ الضبط الببليوغرافي يؤدي دورًا مهمًا في توحيد صيغة نقاط الإتاحة هذه، فيصبح من السَّهل مشاركتها والوصول إلى تسجيلات مصادر المعلومات وما يرتبط بها، أي عملية الثبات في الشكل اللفظي للمصطلحات – الأسماء والموضوعات والعناوين – المختارة كنقاط إتاحة في التسجيلات الببليوغرافية، وهذا ما لا يتحقّق إلا من خلال استخدام قواعد ومفردات مضبوطة.

يأتي الضَّبط الببليوغرافيّ ليؤكّد لنا أنَّ فهرس المكتبة ليس عبارة عن تسجيلات غير مترابطة، كما أنَّه يأتي ليقنّن مداخل التّسجيلات، فيصبح بالتالي الوصول إليها أسرع، وهكذا، فإن كلّ التسجيلات والبيانات التي تحتويها تصبح مترابطة.

العلاقة بين الفهرسة والضّبط الاستناديّ
إنَّ مرورًا سريعًا على وظائف الفهرس يمكنه أن يظهر لنا تلقائيًا ارتباط الضبط الاستنادي بعمليَّة الفهرسة، ذلك أنّه جزء لا يتجزأ من هذه العمليّة.

من أولى وظائف الفهرس، إيجاد المصادر الَّتي يريدها الباحث وتحديد مكانها، فإذا كانت مداخل التسجيلات قد خضعت للضبط الاستنادي، فسيبحث الباحث عن عنوان كتاب معيَّن، فيعطيه الفهرس بيانات الكتاب المتوافرة، ويقوده أيضًا إلى أعمال مختلفة تتعلَّق بهذا الكتاب، من مثل عنوان الكتاب باللغة الأصلية التي صدر بها، أو دراسة معيَّنة حوله.

وهكذا، يساعد الضبط الاستنادي الباحث على الاطلاع على ما هو أبعد وأوسع وأشمل من محدودية ما كتبه في خانة البحث، بل يظهر له نتائج مترابطة كثيرة، وهذا ما يزيد فرص وصوله إلى ما يريد.

وكذلك، فإنَّ وظيفة الفهرس هي جمع كل ما يحتويه من بيانات مترابطة ومتشابهة، وهذا ما يظهر في نتائج البحث. وهنا يأتي دور الضّبط الاستنادي، فاسم المؤلف، مثلًا، إذا كان مضبوطًا وموحّدًا، وإذا كان لكل مؤلّف ملف استناد خاصّ به، فإنَّ البحث عن أيِّ شكل من أشكال اسم المؤلف، سيؤدي بالباحث إلى مراده.

وللفهرس أيضًا وظيفة تشارك الموارد، ونعني بذلك أن التسجيلات الببليوغرافية إذا كانت قد خضعت للضبط الاستنادي، وتم إنشاؤها على أساس قواعد عالميَّة، فإنَّ هذه التسجيلات يصبح من السّهل جدًا تشاركها مع غيرها من المكتبات.

VIAF نموذجًا
سنتناول في ختام حديثنا عن الضبط الاستنادي، نموذجًا من نماذجه، موجودًا في شبكة الإنترنت، يؤدي اليوم بين مستخدميه في مكتبات العالم أهداف الضبط الاستنادي فيما يتعلَّق بأسماء المؤلفين.

يجمع ملفّ الاستناد الافتراضي العالمي VIAF العديد من ملفات الأسماء الاستنادية التي أنشأها العديد من مكتبات العالم في موقع واحد وواجهة بحث واحدة. إنَّ الهدف من هذه الخدمة هو التقليل من الجهد والوقت المبذول في البحث عن أسماء الأشخاص، سواء كانوا مؤلفين أو محققين أو مترجمين أو غير ذلك…

بدأ تأسيس ملف  VIAF في العام 1998 من قبل مكتبة الكونغرس الأميركية، والمكتبة الوطنية الألمانية، وشركة OCLC Online Computer Library Center, Inc، بعد أن أقامت مجتمعةً مشروع تجربة الربط بين ملفات أسماء الأشخاص من خلال قواعد بياناتهم.

وفي العام 2003، تشكّل اتحاد VIAF، ونشأ عنه اتفاق وقع عليه المؤسِّسون الثلاثة، وانضمَّت إليه المكتبة الوطنية الفرنسية في العام 2007. ثم تتالى بعد ذلك الكثير ممن انضموا إليه أيضًا. وفي العام 2012، كان انطلاق VIAF كخدمة من خدمات OCLC.

من يستفيد من VIAF؟ كل من يحتاج معلومات عن مؤلّف معين، يمكنه أن يستفيد من VIAF. إنّ أي باحث، سواء كان مفهرسًا، أو أرشيفيًا، أو عاملًا في مركز معلومات، أو في مجالات مختلفة أخرى يحتاج فيها معلومات عن أشخاص كان لهم دور في أيّ نتاج أدبي أو علمي أو وثائقي، يمكنه أن يستفيد من هذا الموقع.

ويشترك في VIAF خمس وأربعون مكتبةً من مختلف قارات العالم ودوله، من خلال إتاحة الملف الاستناد الخاص بالأسماء لديها عبر موقع VIAF، ومنها المكتبة الوطنية اللبنانية، مكتبة الإسكندرية، مكتبة الكونغرس الأميركية، المكتبة الوطنية الفرنسية، المكتبة الوطنية الألمانية، المكتبة الوطنية البرتغالية، وغيرها.  

موسوعة تراجم إلكترونية
إنّ وجود قاعدة بيانات تحتوي كل ملفات أسماء الأشخاص التي عملت على إنشائها العديد من مكتبات العالم بشكل مضبوط ودقيق، يمكن أن يوفّر على المستخدمين، من مفهرسين وباحثين يجتمعون على حاجتهم إلى معرفة معلومات عن مؤلف معين، الوقت للبحث في الملفات الاستنادية للفهارس المتواجدة في مواقع المكتبات في العالم، فيؤمّن لهم البحث فيها جميعًا من خلال واجهة بحث واحدة، كما أنَّه يعرّف الباحث إلى أشكال مختلفة لاسم المؤلف الواحد، كما كلّ البيانات المتعلقة بحياته.

وبنظرة أخرى، يمكننا القول إن VIAF تشكّل موسوعة تراجم إلكترونية مضبوطة الأسماء. ويمكننا على سبيل المثال أن نجرب البحث عن المؤلف علي الديري، فإذا كتبنا اسمه بأي طريقة من الطرق: علي الديري، الديري، علي، علي أحمد الديري، Ali ad-Diri، Ali ad-Dairi، Dairi، Ali، فسنحصل على النتيجة نفسها، وهي ملف المؤلف علي الديري، كما هو مضبوط في أكثر من مكتبة حول العالم، مع كل الأشكال التي قد يتخذها اسمه أو يُمكن أن يتم البحث من خلالها، ومعلومات عنه، وروابط تحيل إلى كتبه في كل فهرس مكتبة من المكتبات المشتركة في VIAF، التي لديها كتاب للمؤلف علي الديري، أو كتاب يحكي عنه، أو كتاب شارك في إعداده، وأنشأت له، بناءً على ذلك، ملف استناد باسمه.

ربما تعتقد بعض المكتبات ومراكز الأرشيف والمعلومات أنها تستطيع العمل بقواعدها الخاصّة، من دون قواعد عالميّة أو ضبط استناديّ، وربما بسبّب ما تؤمّنه الكشافات الإلكترونيّة من إمكانية للبحث، فإنَّ مستفيديها يستطيعون الوصول إلى مصادر المعلومات التي يحتاجونها، ولكن حين نتحدَّث عن إدارة المعلومات بالمهنية التي تتناسب مع أهمية المعلومات للباحث والمكتبي والأرشيفي في كلّ مكتبات ومراكز المعلومات في العالم، فلا بدَّ من اعتماد العمل المضبوط والمستند إلى القواعد والمعايير العالمية، ما يؤدّي إلى توحيد العمل التوثيقي بتوحّد الجهود وإمكانية التشارك.

لا زلنا في عالم المعلومات والتكنولوجيا نجد أمانةً مهنيّة في الحفاظ على خصوصيّة الأرشيف والمكتبة وكل نوع من أنواع مراكز إدارة المعلومات وإتاحتها، إلا أنَّ التشارك وتوحيد العمل والضبط الاستنادي لتسجيلات مصادر المعلومات، مهما اختلف نوعها، يبقى حاجة لهم جميعًا، يشتركون بها في سبيل عالم معلومات أكثر ترابطًا ودقّة.

المراجع
1- انظر:
Dublin Core Metadata Element Set, Version 1.1: Reference Description.
(آخر تحديث في العام 2013)
مأخوذ من:
http://dublincore.org/documents/dces/
2- انظر:
Florida Internaional University. What is Authority control?
(آخر تحديث في العام 2018)
مأخوذ من:
goo.gl/NKtKq1
3- انظر:
IFLA. Authority Control.
(آخر تحديث في العام 2017)
مأخوذ من:
goo.gl/uUDz3r
4- انظر:
http://www.viaf.org
5- جامعة ستانفورد. نصّ امتحان أكاديمي حول الفهرسة والضبط الاستنادي.
مأخوذ من:
goo.gl/Ek6g3c
6- جمعية الأرشيفيين الأميركيين، قاموس مصطلحات.
(آخر تحديث في العام 2018)
مأخوذ من:
https://www2.archivists.org/glossary/terms/c/cataloging

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

لتحميل المقال بصيغة PDF: الضَّبط الاستنادي وتوحيد الجهد التوثيقي ّVIAF نموذجًا

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

أرشيفو  9 بصيغة PDF 

اقرأ أيضًا: 

عن الكاتب


اضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تتميز بـ *


يمكنك استخدام HTML وسوم واكواد : <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>