awal

الدبلوماسية الإيرانية-صدق النبوءات

«سعادة السفير»: عن الدبلوماسية الإيرانية وصدق النبوءات…

 

جنيف، 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013.. الساعة 3.03 صباحا

«لقد توصلنا إلى اتفاق»

تغريدة تلقاها العالم كله، السياسيون والدبلوماسيون ووسائل الإعلام من وكالات أنباء وتلفزيونات ومواقع تواصل اجتماعي، وكذلك الشعوب، بعد ترقب وتأهّب مهيبين.

كيف حصل ذلك؟

في الساعات الأولى من الصباح، اختار محمد جواد ظريف، أن يطلق نبوءته، ويزفّ للعالم، على طريقته، اتفاقاً نووياً تحقق بعد مرور ثلاثة أعوام، غير أنه لم يكن الأمر الأكثر إثارة للدّهشة من قبل دبلوماسي يجيد التواصل بمختلف آلياته، فقد سبقتها تغريدة أخرى صدمت الكثيرين: الرجل كان قد وجّه، بعد فترة من تكليفه بوزارة الخارجية الإيرانية، معايدة عبر حسابه على تويتر أيضاً. وما المانع في ذلك؟ ليس غريباً أن يستخدم وزير للخارجية موقع تويتر في 4 أيلول/ سبتمبر 2013 بعد فترة وجيزة من تسميته لهذا المنصب، ويقول فيها: «آمل أن أكون قادراً على التّواصل معكم بشكل دائم».

الذي يراقب مسيرة ظريف سيعرف أنّ تألقه لم يتوقف على هذه اللّحظات، بل برز منذ الأعوام الأولى لمسيرته الدّبلوماسية: الموظف الجديد في البعثة الدّائمة لإيران في الأمم المتحدة، في أعقاب التغييرات التي أحدثتها الثورة الإسلامية، لم يجد فارقاً في السّياسة الإيرانية، بين عهد الشاه وعهد الثّورة، إلا في ما تقدّمه البعثة الإيرانية – التي تقيم في مانهاتن، في مبنى نيوكلاسيكي أنيق، مشيّد على الطراز الفرنسي- لضيوفها: «قد لا نقدّم الشامبانيا أبداً بعد الآن في إشارة إلى الحفلات الباذخة التي كان يشهدها مقرّ البعثة في عهد الشاه ، لكننا سنعوّض لكم عنها بالطّعام الإيراني الفائق الجودة».

ما الذي ستتضمّنه لائحة التعويض التي وعد بها؟ الكثير، في الواقع. بدءاً بمظهره الخارجي، الذي حافظ فيه على قوميته الإيرانية، وبقي على الرّغم منه مُحَبباً في أروقة واشنطن، بالإضافة إلى لغة إنجليزية ذات لهجة أميركية ممتازة، حملت صوت إيران إلى الولايات المتحدة والعالم، وحسّ دبلوماسي رفيع – دفعه إلى مصافحة صدام حسين في أوج أيام الحرب الإيرانية – العراقية، وإلى مناداة وزير الخارجية الأميركي كيري بـ «جون» في اللقاء الأول الذي جمعهما في أروقة الأمم المتحدة على الرّغم من العداوة البارزة بين البلدين، وسرعة بديهة جعلت من خطاباته ومقالاته موضع اهتمام الكثيرين من سياسيين وأكاديميين وغيرهم، وليس انتهاء باتفاق نووي كان هو عرابه.

لطالما جذب الدبلوماسي الإيراني الأنظار، واعترف بمناقبه العدو قبل الصّديق. الرجل وجد فيه ثعلب الدّبلوماسية الأميركية هنري كيسنجر نداً، فأهداه كتابه «الدّبلوماسية» مُذيّلاً بعبارة «إلى عدوي المحترم محمد جواد ظريف»، وتبعت ذلك شهادات مختلفة من خصومه السّياسيين وآخرين. حضوره وعلاقاته في الولايات المتحدة، وكذلك في الأمم المتحدة، دفعا نائب الرّئيس الأمريكي جو بايدن إلى وصفه في إحدى المرات بأنه «مدافع شرس، ولكنه عملي وحاسم» في الوقت ذاته.

غير أنّ ظريف قدّم ذلك، من دون أن يرضخ أو يساوم، لا على الكرامة، ولا على الاحترام، وهما «غير قابلين للتفاوض، وليس لهما سعر محدّد»، بل حافظ على إرادة شعبه الحرة وحقه في تقرير المصير: «لقد منّ الله علينا بإرادة حرة تمنحنا القدرة على تقرير مصيرنا».

تلك الإرادة التي ولّدت ثورة شعب، أعطته، ولشعبه، «القدرة على أن نقف مراراً في وجه الطغيان، وأن نطالب دوماً باحترام إرادتنا الحرة».

وهو يوضح جيداً في أحد خطاباته أنّ الأمر ليس «عناداً أو رفضاً لوجهة نظر الآخرين، إنما هي الإرادة الحرة المتأصّلة في تكويننا، في حمضنا النووي».

كيف يفعل «سعادة السفير» ذلك؟ كيف يحافظ على تلك الإرادة بمعزل عن كلّ التنازلات؟ الجواب بسيط: سرّه يكمن في ابتسامته. قد تظنّون أنّ الأمر سهل. لكن، لنكن واقعيين، في الكواليس التي ذكرناها، من الصعب جداً أن تحمل ابتسامة أيّ شخص معاني ابتسامة ظريف.

غنى مونس
باحثة ومترجمة من لبنان

رابط الموضوع

النسخة الإلكترونية من «رواية جَوْ»

«مرآة البحرين» تتيح للقراء النسخة الإلكترونية من «رواية جَوْ»

مرآة البحرين (خاص): تتيح «مرآة البحرين» لقرائها النسخة الإلكترونية من «رواية جَوْ» التي كتبها معتقل سياسي من داخل أحد السجون البحرينية، يروي فيها عذابات 10 مارس/آذار 2015، التي عايشها في سجن جو المركزي.

وتعرض المعتقلون في هذا السجن، الذي يقع في قرية ساحلية في البحرين تسمّى «جو»، إلى صنوف من العذابات بعد انتفاضة أعقبت إعتداء حرّاس السجن على سيدة بحرينية كانت تزور ابنها المعتقل هناك.

قرر المعتقل الذي أشير إليه باسم «جهاد»، كتابة ما جرى في 10 مارس وما أعقبها من أحداث بالإضافة إلى وصف كامل للأجواء التي يعيشها السجناء. وقال «جهاد» إنه أنهى الرواية في 84 يوماً، بأوراق مهربة و10 أقلام حصل عليها بشكل متقطع وبصعوبة شديدة.

«رواية جَوْ» الواقعة في 352 صفحة، و47 مقطعا، تكشف من الداخل ما تغصّ به السجون البحرينية من فساد إداري ومالي وانحلال أخلاقي، كما تكشف اعترافات خطيرة لضباط أردنيين استقدمتهم البحرين للعمل كحرّاس داخل السجن.

لتحميل الرواية

لطلب النسخة الورقية عبر متجر جملون 

رابط الموضوع

“سيرة الإحتجاج”

النسخة الإلكترونية من “سيرة الإحتجاج”

السيرة النضالية لعبد الهادي الخواجة 2001 -2011

يتيح مركز أوال للدراسات والتوثيق لقرائه النسخة الإلكترونية من كتاب “سيرة الاحتجاج” السيرة النضالية لعبد الهادي الخواجة 2001 -2011 للكاتب عبّاس المرشد.

في هذا الكتاب سرد الباحث عباس المرشد، بإسهاب، الكثير من الوقائع المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، تلك التي حدثت خلال عشر سنوات، منذ وصول عبد الهادي قادمًا من منفاه في الدنمارك وحتى اعتقاله والحكم عليه بالسجن المؤبد في أبريل 2011.

هذا الكتاب يوثّق بالتفصيل المقاربة والنهج الذي أخذه الخواجة، وكان من أهم نتائجه النجاح في خلق قاعدة كبيرة من العاملين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان ليس في البحرين فقط، ولكن في المنطقة ككل بفضل أسلوب التمكين الذي اعتمده كناشط رائد في هذا المجال.

 لتحميل الكتاب بصيغة PDF
لطلب النسخة الورقية عبر:
جملون
نيل وفرات
أمازون

الميادين: إله التوحش

“إله التوحش: التكفير والسياسة الوهابية” للباحث علي الديري

 

 

صدر أخيراً عن «مركز أوال للدراسات والتوثيق» للباحث البحريني علي الديري كتاب “إله التوحش: التكفير والسياسة الوهابية”،مكمّلا لكتاب «نصوص متوحشة: التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيميه» الذي صدر في العام 2015.

أصدر الباحث البحريني علي الديري كتاب “إله التوحش: التكفير والسياسة الوهابية”، وهو بحث مكثّف يسعى لقراءة السياق السياسي والعقائدي لنصوص التكفير والتقتيل الوهابية في تجربة الدولة السعودية الأولى.الديري، أكاديمي وناقد بحريني، اشتغل في حقل الخطاب والفلسفة واللغة والمجاز، على مدى أكثر من عقد، وحاز على درجة الدكتوراه في تحليل الخطاب حول أطروحته «مجازات الفلاسفة: كيف يفكر في الفلاسفة؟».
وأسقطت الجنسية البحرينية عن الديري بمرسوم ملكي في يناير/كانون الثاني 2015، لأسباب تتعلق بآرائه السياسية.ويطالع الديري في كتابه الجديد سيرة بناء الدولة السعودية الأولى قبل 270 سنة، على يد محمد بن سعود، ومحمد بن عبد الوهاب، ويضعها في سياقها الفكري القائم حتى اليوم.يقول في المقدّمة إنه يحاول في الكتاب من خلال نصوص محمد بن عبد الوهاب، أن يبرهن فرضيته المتعلقة بنصوص التوحش، وهي الفرضية التي تنص على أن التكفير مشروع قتل يُمليه صراع سياسي، وهو تجريد الإنسان من إنسانيته (حرمة دمه، وماله، ونفسه، وعرضه، وعقله) لغاية سياسية.
وكان الكتاب السابق قد اختبر الفرضية في سياق السياسة السلجوقية في القرن الخامس الهجري، والسياسة الموحدية في القرن السادس الهجري، والسياسة الشرعية عند ابن تيمية في القرن السابع والثامن الهجريين والتي لم تجد من يتبناها تبنياً سياسياً بالكامل حتى اتفاق الدرعية في 1744.أما الكتاب الجديد “إله التوحش” فقد اتّجه للمثال الأبرز في التاريخ الحديث على فاعلية هذه النصوص وتأثيرها الفاقع في السياسة والمجتمع. يقرأ الديري في كتابه كيف بقيت نصوص التكفير الوهابية تكوّن التاريخ الرسمي للدولة السعودية، وهويّتها التي تنكر بشكل صريح المشاركة والتعدّد، وتلغي منها كل من لا يؤمن بالعقيدة الوهابية.”أدرك محمد بن عبد الوهاب، أنه لا يمكن للمكتبة وحدها أن تُحَوّل نص التكفير إلى فعل قتل، فكَفَر بها، وراح يبحث عن قوة تجعل من خطابه وحشًا ضاريًا في صحراء نجد. أراد أن يُنبت لنصوصه التكفيرية مخالب ضارية، فكان سيف الدرعية”، يقول الكتاب.
واعتبر الديري وثيقة الدرعية بين ابن عبد الوهاب وابن سعود، والتي تقوم على قاعدة “الدم بالدم والهدم بالهدم”، أنها اتفاق على أن نص التوحيد ضمان لدم الدولة وضمان لدم الدعوة، وأن هدم أحدهما هدم للآخر هي “ضمان للتوحيد السياسي للدولة الخاضعة بالقوة لعقيدة إيمان مُوحدة ومُعَمّمة وغير قابلة لأي تأويل أو اختلاف، كما أنها ضمان لبقاء الدعوة ظاهرة وقوية ومهابة وناطقة في مراسيم الحكم وألسن الناس… وثيقة الدرعية هي تحالف بين رجل الدعوة ورجل الدولة أو تحالف بين ما يمكن أن أسميه إله التوحش وسيف الوحشية”.ويبحث الكتاب سيرة محمد بن عبد الوهاب، وتفسيره الغريب لشهادة التوحيد، والتأسيس لفكرة غربة الإسلام بين المسلمين ومجتمع الغرباء، الذين يستثنون غالبية المسلمين من الإسلام.”
إله التوحش هو هذا الإله الذي خلقته سيرة رجل الدعوة بتفسيرها الغريب لشهادة التوحيد، وتكوينها لجماعة الغرباء الذين يجدون رسالتهم في استثناء الآخرين من الحياة (التكفير)”.

ما بعد الشيوخ

ما بعد الشيوخ .. تحوّلات ديمقراطية في دول الخليج؟

 

بخلاف ما قد يشي به عنوان الكتاب، لا يقصد المؤلف حدوث ثورات في الممالك الخليجية، أو اختفاء الأنظمة الحالية كلياً، وإنما انهيار شكل الحكم فيها، العشيري المطلق، وحلول نظم ديمقراطية على الطراز الغربي مكانها.

قراءة: نور بكري*

 قد يبدو الحديث عن سقوط نظام خليجي أو انهيار الحكم في ممالك الشيوخ خلال عامين، أشبه بضرب من التنبؤ، على بعد أيام من حلول سنة جديدة، ولكن أستاذ التاريخ والعلوم السياسية والعلاقات الدولية، كريستوفر ديفيدسون، يحرص في مقدمة كتابه “ما بعد الشيوخ: الانهيار المقبل للممالك الخليجية” (مركز أول للدراسات، الطبعة الرابعة، 2015)، على التّأكيد أنه لا يهدف إلى تأدية دور كرة بلورية تتنبأ بالمستقبل.

ديفيدسون، وهو متخصّص في دراسات الشرق الأوسط في جامعة درهام في المملكة المتّحدة، يرصد العام 2018 موعداً لانهيار الممالك الخليجية، ويبدو على يقين من حدوث تغييرات مهمة جداً فيها. وبعد حوالى 4 سنوات على الإصدار الأول لكتابه باللغة الإنكليزية، يوضح أن الكثير من المتغيرات حصلت في البلاد العربية في أعقاب ما سمّي بـ”الربيع العربي”، ولكنه يؤكد أن الكثير من النقاشات التي طرحها في بداية العام 2013 أثبتت اليوم صحتها.

انخفاض أسعار النفط، وأزمات الائتمان، والتلاعب بالممتلكات، والحملات الإرهابية والطائفية المتفشية، كلها أحداث ساهمت في تعزيز رؤيته، ومنحته القوة الداعمة لإنهاء مخطوطته، كما يقول.

لم يكن المؤلّف بعيداً عن أجواء الممالك الخليجية، إذ عاش سنوات في مدينة رأس الخيمة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وكان مهتماً بدراسة سياسة القبائل، والدين الإسلامي، واللّغة العربية. ولعلّ توقعه بالكارثة المالية الاقتصادية الَّتي ضربت مدينة دبي في العام 2009، قبل وقوعها بأشهر عدة، يمنح توقعه الراهن زخماً أكبر، وربما مصداقية لدى جمهور واسع من القراء.

صاحب كتاب “الإمارات العربية المتحدة: دراسة في الاستمرار والبقاء”، أراد من إصداره الأخير إيصال أفكار الكتاب إلى شريحة أكبر وأكثر نقدًا من القراء. ولعله أول عمل أكاديمي يتوقّع انهيار الأنظمة السياسية الملكية في الخليج، ما جعله فعلاً أحد أكثر المؤلّفات البحثية إثارة للجدل في العالم، إذ صنّف على رأس قائمة مجلة “فورين بوليسي” لأفضل 20 كتاباً عن الشرق الأوسط في العام 2012، كما حظي بإقبال عربي واسع، فنفدت جميع نسخه في غضون شهر من إصداره بالعربية، وفي الوقت نفسه، أثار جدلاً واسعاً بعد تساؤل نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي، ضاحي خلفان، عن دور المعارضة البحرينية في تمويله، والادعاء أنه مليء بالشتم والسبب والغيرة والحسد.

الكتاب الذي صدرت طبعته الأولى عن مطبعة “هيرست”، ومن ثم مطبعة جامعة “أكسفورد”، كُتبت عنه الكثير من المراجعات والمقالات في الصحف الدولية والعربية، مثل صحيفة “الإيكونومست”، وصحيفة “الإندبندنت”، و”الغارديان”، واقتُبِسَت بعض أقسام الكتاب، ونشرتها مجلتا “فورين أفيرز” و”فورين بوليسي”، كما جاء في مقدمته.

قد يوحي عنوان الكتاب للقارئ أنه أمام رواية محتملة من وجهة نظر المؤلف عن سقوط الأنظمة الخليجية للدول الست؛ البحرين، السعودية، الإمارات، عمان، قطر، الكويت، على غرار ما حدث في تونس ومصر وليبيا، ولكنّ ديفيدسون يبدو أكثر واقعية في طرحه، حين يشير إلى أنّ مشايخ الخليج قد لا يواجهون مصير معمر القذافي في ليبيا أو حسني مبارك في مصر. صحيح أنه لا يعتقد أن هذه الدول مختلفة بشكل جوهري عن غيرها، لكنه يتحدث هنا عن عامل النفط وعوامل أخرى سمحت بتمدد فترة السقوط المتوقع.

بخلاف ما قد يشي به العنوان المباشر للكتاب، لا يقصد المؤلف حدوث ثورات في الممالك الخليجية، أو اختفاء الأنظمة الحالية كلياً، وإنما انهيار شكل الحكم فيها، العشيري المطلق، وحلول نظم ديمقراطية على الطراز الغربي مكانها، وحصول تحركات لانتخاب رؤساء حكومات، وحصر صلاحيات الشيوخ، كما صرّح في أكثر من مقابلة ومقالة. ففي رأيه، سيتعذّر على مشايخ الخليج الدفاع عن أنظمة حكمهم القائمة منذ سنوات طويلة، ذلك أنهم اشتروا الوقت والمحتجين في غير دولة بأموال النفط، ولكن هذه الأنظمة قد تتفكّك في وقت أقرب مما يعتقد الكثيرون، فالظروف التي كانت الدول العربية تمرّ بها، والضغوط الاجتماعية والاقتصادية، ليست بعيدة اليوم عن الممالك الخليجية، والمال الذي يعد الركيزة الأساس لبقائها، آخذ في النفاد، كما الوقت، ولن تدوم الثروات الهائلة لفترة أطول.

“تنبؤ” ديفيدسون يأتي حاسماً، انطلاقاً من اعتقاده بأنّ النفط والغاز سينضبان لا محالة. وعندها، لن تتمكن دول الخليج من استثمار الأموال في استمالة المواطنين، فالبلاد التي تنتج نحو 19 في المئة من إجمالي الإنتاج العالمي في النفط الخام، ونحو 8 في المئة من الإجمالي العالمي من الغاز الطبيعي، كانت تعتمد على هذين المصدرين في تنمية المسارات الاقتصادية فيها، ثمّ عملت على تنويع قواعدها الاقتصادية، للتخفيف من شدة تعرّضها لتقلبات أسواق النفط الدولية، ولخلق فرص توظيف للكثافة السكانية المتسارعة النمو، وتذليل الضغوطات المتزايدة، كما يقول. ولكن جهودها في هذا السياق، لم تصل غالباً إلى نتيجة، “في ظل اندفاع الممالك الخليجية كافة تقريباً إلى نقطة يتجاوز فيها إنفاق حكوماتها العائدات النفطية المتدنية”.

الإنفاق الحكومي الذي بات حالياً يسبب ضغوطاً على الممالك الخليجية، كان أحد أسباب بقائها حتى اليوم. ففي رأي ديفيدسون، لا يزال توزيع الدولة للثروة يشكل الدعامة الأساسية لبقاء الحكم الملكي، ويرى في هذا السياق أن سخاء هذه الدول الريعية الحديثة، وفّر للأسر الحاكمة والحكومات فيها “شرعية باعثة على السعادة”، مستمدة من الرفاه الاقتصادي وتوفير الرعاية الاجتماعية، ويتأتى معظمها من عائدات الامتيازات النفطية في المنطقة، أو من الإيجارات التي ولّدتها أنشطة ما بعد النفط.

هذا الأسلوب المعتمد لتخدير الشعب، وضمان قدر معيّن من القبول السياسي لديه، يتوقع ديفيدسون أن يترك أثراً عميقاً ونهائياً، بعد أن تفقد معظم الممالك قدرتها على زيادة الرواتب، ويضطر كثير منها إلى خفض المعونات المالية وغيرها، في ظل تراجع احتياطات النفط والغاز، وارتفاع أنماط الاستهلاك المحلي للطاقة فيها، والازدياد السريع في عدد السكان.

كما أن “دول الرفاهية”، وبعد جفاف مصادر التمويل، ستواجه معضلة في استراتيجيتها الخارجية التي تقوم على بناء قدرات دفاعية عسكرية، والإنفاق الكبير على الأسلحة الغربية، وتوزيع بعض الموارد على الدول المجاورة الأقل حظاً على شكل معونات أو أعمال خيرية، وتمويل المتاحف والجامعات والمشاريع الثقافية في الخارج، وغيرها مما يصنفه ضمن السياسات الخارجية المتبعة للحفاظ على البقاء.

وعلى الرغم من مساهمة الاستراتيجيات الداخلية والخارجية المتبعة لكسب الشعبية بين الناس، في استقرار تلك الدول نسبياً، فإن الخبير في شؤون السياسة والتنمية في الممالك الخليجية، يرصد نقاط ضعف عديدة تقوض دعائم الحكم الخليجية، فلا تزال معظم هذه البلاد غير قادرة على مواجهة “البطالة الطوعية” المتفاقمة، بعدما فقدت قدرتها على تحفيز مواطنيها على الحصول على عمل والمساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني.

اجتماعياً، يشير ديفيدسون إلى عوامل عدة قد تطعن في شرعية الممالك لدى مواطنيها، فتنويع القواعد الاقتصادية، دفع البلاد إلى التركيز على المستثمرين الأجانب أو السياح المغتربين، ما ولد إحباطاً واستياءً وسخطاً لدى بعض الفئات الشعبية، الذين باتوا يعتقدون أن الأسر الحاكمة لا تقوم بما يكفي للحفاظ على قيمهم وتقاليدهم الاجتماعية ودينهم، مع بروز مظاهر الاحتفال المبالغ فيه في الاحتفالات غير الإسلامية، وتهميش المناسبات الإسلامية في أحيانٍ كثيرة، والسماح باستيراد الخمور واستهلاكها…

على الصعيد السياسي، يحمّل ديفيدسون غياب أي معنى للأمن الجماعي، أو غياب التعاون الرئيس بين الممالك الخليجية في بعض الحالات، وتفاقم الخلافات فيما بينها، وزراً إضافياً قد يقود إلى تفاقم الفجوات الدبلوماسية، واندلاع العنف، والتدخل في السياسات الداخلية للدول الأخرى، قد يتعداه إلى مرحلة تقوم فيها الدولة بالتحريض على انقلابات عسكرية وتمويلها في محاولة لإعادة هيكلة القوى المجاورة، وفقاً لقوله.

ويعتبر الباحث البريطاني أنّ السياسة التي تنتهجها دول الخليج، في مواجهة المواطنين ومظاهر الاحتجاجات على نظام الحكم، تهدد وجودها وبقاءها، في خضمّ الحملات القمعية واللجوء إلى الاعتقالات السياسية التعسفية في البحرين والكويت، وحتى في الإمارات العربية المتحدة. ويرى أنّ الأكثر خطورة في هذه الفترة، هو استراتيجية تشويه سمعة المعارضة، ذلك أنها تتفاقم، وربما تخرج عن السيطرة، في ظل تحريض كل من البحرين والمملكة العربية السعودية بشكل فاعل على النزاع الطائفي، وتزايد التمييز المذهبي على نطاق واسع، وفرض رقابة إلكترونية صارمة على المواطنين.

تفاصيل كثيرة ومعلومات وحقائق ومراجع استند إليها ديفيدسون في كتابه لدعم حججه، مقدماً صورة عن العلاقات الاجتماعية والاقتصادية التي تربط الممالك الخليجية ببعض الدول الغربية، والعلاقة القائمة بين السلطات والشعب، والبنية الداخلية لهذه البلدان، فنّدها جميعاً في ستة فصولٍ، وضع فيها تصوراً لنشأة هذه الممالك ونموها واستمراريتها، بغية تحديد الضغوطات المعاصرة وإبراز سبب أهميتها في الفترة الحالية، كما يقول، ليخلص إلى نتيجة مفادها أنّ الممالك الخليجية على وشك الانهيار سريعاً، أو على الأقل انهيار معظمها في شكلها الحالي، من دون قدرتها على التعويل على دعم القوى الغربية، التي ستكون “سريعة في تبديل مواقفها والمضي قُدمًا، إذا تطلَّب الأمر ذلك”، ليُترك للشّعوب فرض وقائع مغايرة على الأرض، والمشاركة في تحديد مستقبلها ومصير ثرواتها، والتأسيس لمرحلة “ما بعد الشيوخ”.

*كاتبة لبنانية

رابط الموضوع

التكفير والسياسة الوهابية

إله التوحش: التكفير والسياسة الوهابية

مرآة البحرين (خاص): من منفاه بمدينة «ويندسور» الكندية، أصدر الناقد البحريني علي الديري كتاب «إله التوحش: التكفير والسياسة الوهابية»، وهو مؤلّف بحثي مكثّف يسعى لقراءة السياق السياسي والعقائدي لنصوص التكفير والتقتيل الوهابية في تجربة الدولة السعودية الأولى.

وصدر الكتاب عن «مركز أوال للدراسات والتوثيق»، ودشّن في جناح المركز بمعرض بيروت الدولي للكتاب، يوم الخميس الماضي 1 ديسمبر/كانون الأول 2016، وهو يأتي مكمّلا لكتاب «نصوص متوحشة: التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيميه»، الذي صدر العام الماضي لذات المؤلف.

والديري، أكاديمي وناقد بحريني، اشتغل في حقل الخطاب والفلسفة واللغة والمجاز، على مدى أكثر من عقد، وحاز على درجة الدكتوراه في تحليل الخطاب حول أطروحته «مجازات الفلاسفة: كيف يفكر في الفلاسفة؟». وأسقطت الجنسية البحرينية عن الديري بمرسوم ملكي في يناير/كانون الثاني 2015، لأسباب تتعلق بآرائه السياسية.

ويطالع الديري في كتابه الجديد سيرة بناء الدولة السعودية الأولى قبل 270 سنة، على يد محمد بن سعود، ومحمد بن عبد الوهاب، ويضعها في سياقها الفكري القائم حتى اليوم.

يقول في المقدّمة إنه يحاول في الكتاب من خلال نصوص محمد بن عبد الوهاب، أن يبرهن فرضيته المتعلقة بنصوص التوحش، وهي الفرضية التي تنص على أن التكفير مشروع قتل يُمليه صراع سياسي، وهو تجريد الإنسان من إنسانيته (حرمة دمه، وماله، ونفسه، وعرضه، وعقله) لغاية سياسية.

وكان الكتاب السابق قد اختبر الفرضية في سياق السياسة السلجوقية في القرن الخامس الهجري، والسياسة الموحدية في القرن السادس الهجري، والسياسة الشرعية عند ابن تيمية في القرن السابع والثامن الهجريين والتي لم تجد من يتبناها تبنيا سياسيا بالكامل حتى اتفاق الدرعية في 1744.

الكتاب الجديد اتّجه للمثال الأبرز في التاريخ الحديث على فاعلية هذه النصوص وتأثيرها الفاقع في السياسة والمجتمع. يقرأ الديري في كتابه كيف بقيت نصوص التكفير الوهابية تكوّن التاريخ الرسمي للدولة السعودية، وهويّتها التي تنكر بشكل صريح المشاركة والتعدّد، وتلغي منها كل من لا يؤمن بالعقيدة الوهابية.

«أدرك محمد بن عبد الوهاب، أنه لا يمكن للمكتبة وحدها أن تُحَوّل نص التكفير إلى فعل قتل، فكَفَر بها، وراح يبحث عن قوة تجعل من خطابه وحشًا ضاريًا في صحراء نجد. أراد أن يُنبت لنصوصه التكفيرية مخالب ضارية، فكان سيف الدرعية» يقول الكتاب.

واعتبر الديري وثيقة الدرعية بين ابن عبد الوهاب وابن سعود، والتي تقوم على قاعدة “الدم بالدم والهدم بالهدم”، أنها اتفاق على أن نص التوحيد ضمان لدم الدولة وضمان لدم الدعوة، وأن هدم أحدهما هدم للآخر «هي ضمان للتوحيد السياسي للدولة الخاضعة بالقوة لعقيدة إيمان مُوحدة ومُعَمّمة وغير قابلة لأي تأويل أو اختلاف، كما أنها ضمان لبقاء الدعوة ظاهرة وقوية ومهابة وناطقة في مراسيم الحكم وألسن الناس… وثيقة الدرعية هي تحالف بين رجل الدعوة ورجل الدولة أو تحالف بين ما يمكن أن أسميه إله التوحش وسيف الوحشية».

ويبحث الكتاب سيرة محمد بن عبد الوهاب، وتفسيره الغريب لشهادة التوحيد، والتأسيس لفكرة غربة الإسلام بين المسلمين ومجتمع الغرباء، الذين يستثنون غالبية المسلمين من الإسلام.

«إله التوحش هو هذا الإله الذي خلقته سيرة رجل الدعوة بتفسيرها الغريب لشهادة التوحيد، وتكوينها لجماعة الغرباء الذين يجدون رسالتهم في استثناء الآخرين من الحياة (التكفير)».

رابط الموضوع

رواية جو:كسر للإذلال

علي الديري: رواية جو… كسر للإذلال

“أنا شاب بحريني، أحببت وطني كما أحب أمي، وكنت أظنهما شيئاً واحداً، فالوطن هو حيث يكون المرء في خير كما يقال، وأنا أكون بخير طالما أنا في حضن أمي”

جهاد

ماذا يريد السجين السياسي؟

يريد كسر إرادة إذلاله، هذا ما أراده (جهاد) معتقل سجن (جو) المركزي في البحرين، لقد كتب روايته عن أحداث 10مارس/آذار 2016، بقصد كسر الإذلال الذي تفنن في تجريعهم إياه الدرك الأردني وقوات الشغب والأمن والمخابرات من البلوش والباكستانية واليمنيين والبحرينيين.

أراد أن يداوي جرح كرامته وكرامة 1004 من سجناء (جو) بهذه الرواية. كتب (جهاد) من السجن ذاته الذي ما زال فيه، أول كلمة في هذه الرواية في 10/فبراير/شباط/2016م، وكتب آخر كلمة منها في اليوم العالمي لحرية الصحافة والإعلام في 3/مايو/أيار/2016م.

وسط حالة الترقب والترصد والبحث عن مكان موارب وسط ضجيج السجناء واكتظاظهم، ظل (جهاد) طوال 84 يوماً يكتب روايته، ويهربها أوراقًا متناثرة، استهلك 10 أقلام حصل عليها بشكل متقطع، وبصعوبة شديدة، وأما الأوراق والدفاتر فكانت نادرة الوجود، ولا تتوافر في دكانة السجن دائماً، الأمر الذي يتطلب الانتظار. في المحصلة احتاج إلى 5 دفاتر، ليكتب هذه الرواية التي صدرت هذا الأسبوع عن مرآة البحرين  في 350 صفحة.

في رواية اليوم الأول من أحداث 10مارس الشهيرة، يروي لنا أحد مشاهد الإمعان في الإذلال، ففي منتصف الليل، يتقدم الوكيل يوسف إلى منتصف ساحة السجن الخارجية، قائلاً: الآن أريد أن أسمع منكم صوتاً يهزُّ المكان بترديد شعار “عاش عاش بو سلمان[ملك البحرين]” عاش عاش من؟! ردَّ بعض الذين كانوا قربه بصوت منخفض: بو سلمان. صرخ الوكيل: ما هذا الصوت! أريد أن أسمع الجميع يُردِّد، وإلَّا سألقنه درساً لن ينساه.

ضجَّ الناس خوفاً من إرهابه بترديد الشعار، وهو يصرخ فيهم: أعلى أعلى! هم أرادوا من ترديد الشعار كسر عزيمة المعتقلين السياسيين وإذلالهم لمعارضتهم النظام والملك، ولكن الشعار تحول إلى مناسبة للسخرية والضحك، فبعض السجناء كانوا يقولون بصوت منخفض جداً: مات.. مات. وثم يرفعون صوتهم بقول: بو سلمان. والبعض الآخر كان يقول: عاش عاش علي سلمان. قاصدين بذلك زعيم المعارضة وأمين عام جمعية الوفاق.كانت هذه الأصوات لا تُسمع مختلفة عن الآخرى بسبب الصوت العالي والمساحة الكبيرة والصدى، وقد تعمَّد السجناء فعل ذلك، لأنَّه لابُدَّ أن تردّد شيئاً أو تحرك شفتيك.

كان هذا أحد أشكال المقاومة ومحاولة كسر إرادة الإذلال، لكن موجة العنف كانت أبشع من أن تتمكن أجساد السجناء من تحمله، خفتت أصواتهم مع تعاقب نوبات التعذيب عليهم طوال ثلاثة شهور ليلَ نهارَ، وظلت أرواحهم تغالب الانكسار وتشد بعضها بعضا.

في نهاية الأسبوع الثاني من أحداث 10 مارس، أوقف الوكيل الأردني السجناء في برد الليل القارص عراة إلا من سراويلهم، يرافقهم وكيل أردني آخر، يحمل خرطوم ماء أخضر نزعه من أحد الحمامات، وراح يلوح به في الهواء: الكل يشلح أواعيه.

كان أفراد من الدرك الأردني واقفين عند حنفية ماء الشرب البارد، يملأ أحدهم دلواً من الماء. لحظات وصرخ على سجين نصف عار: على بطنك على الإسفلت البارد، ثم قام بسكب دلو ماء بارد على جسد السجين العاري، فانتفض وارتجف مثل سمكة تحتضر أُخرجت للتوّ من الماء! بعد ذلك أمره بالتدحرج على الإسفلت والوحل مسافة 10 أمتار تقريباً إلى زاوية الخيمة، ثم أمره بسكب الماء على زملائه السجناء، جاعلاً أحد أفراد الدرك الأردني حرساً على رأسه، هكذا استمرت الحفلة.

كان (جهاد) في هذه اللحظات يسأل نفسه مقهوراً: لماذا نستجيب له؟ لماذا لا نعصي أوامره؟ فباغته الوكيل بخرطومه الأخضر على جسده العاري، صار يتلقاه بصمت، فالبرد أفقده الإحساس بالألم وبالماء البارد.

يخبرنا (برتران بديع) في كتابه الصادر حديثا (زمن المذلولين..باثولوجيا العلاقات الدولية) أن الإذلال يقوض العلاقات بين الدول وبين الدولة ومواطنيها، وهو يعبر عن حالة تحتاج تشخيص مرضي (باثولوجيا).

طاقم المعذبين الذين يستعينون بشعارت الطاغية لذل المواطنين، يعبرون عن سلطة مريضة نفسيًا، تعاني من حالة باثولوجية، فتُنَفس عن مرضها بإذلال مواطنيها، ويتحولون إلى ضحايا، منهم من تذلهم بالتمييز ومنهم من تذلهم بما تمن به عليهم من مكرمات ومنهم من تذلهم بالاستجداء، ومنهم من تذلهم بتحويلهم إلى موالاة عمياء، ومنهم من تُفقدهم الحياة الكريمة، فيموتون أحياء.

جهاد ليس في خير، فوطنه ليس في خير، وأمه ما زالت تنتظر أن يأتي الخير في صورة وطن يجمعها على ابنها، لتلملم جروحه الكثيرة.

رابط الموضوع

معرض بيروت الدولي 2016

مركز أوال ومرآة البحرين يشاركان في معرض بيروت الدولي للكتاب بإصدارات جديدة بينها كتاب لـ«خوري» وآخر عن جواد ظريف

مرآة البحرين (خاص): تشارك «مرآة البحرين» و«مركز أوال للدراسات والتوثيق» في معرض بيروت الدولي للكتاب، الذي يقام من 1 وحتى 14 ديسمبر/كانون الأول 2016.

وللعام الثاني على التوالي، تعرض المؤسستان إصداراتهما من الكتب والمطبوعات في ركن مشترك.

«مرآة البحرين» عرضت للجمهور لأول مرة النسخة المترجمة من كتاب «دعوة للضحك» لعالم الاجتماع اللبناني، فواد خوري، وهو بمثابة سيرة ذاتية لبروفيسور جامعي وعالم أنثروبولجيا عربي، قّدم واحدا من أهم المؤلّفات الاجتماعية والسياسية عن البحرين، وهو كتاب «القبيلة والدولة». وتحتل البحرين جزءا هاما من سيرة خوري التي يوثقها في «دعوة للضحك»، الذي ينشر بالعربية لأول مرة.

كتاب القبيلة والدولة في البحرين، يحضر هو الآخر في المعرض، في طبعة جديدة من مركز أوال بعد 40 عاما من صدوره لأول مرة.

وخلال المعرض، أطلق «مركز أوال» أحدث إصداراته لهذا العام، كتاب «سعادة السفير: محمد جواد ظريف»، وهو حوار سياسي ودبلوماسي واسع أجري مع وزير الخارجية الإيراني الذي كان قد شغل في وقت من الأوقات منصب السفير الإيراني للأمم المتحدة. ونال الإصدار إعجاب الكثير من زوار المعرض، كما وضعته صحيفة الأخبار اللبنانية من بين 15 كتابا في معرض بيروت رشحتهم للقارئ.

وأصدر مركز «أوال» كتاب «إله التوحش: التكفير والسياسة الوهابية»، للدكتور علي الديري، وهو مؤلّف بحثي يسعى لقراءة السياق السياسي والعقائدي لنصوص التكفير والتقتيل الوهابية في تجربة الدولة السعودية الأولى، ويأتي مكمّلا لكتاب «نصوص متوحشة: التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيميه»، الذي صدر العام الماضي للديري أيضا.

كتابان قام بترجمتهما مركز أوال، يحضران أيضا في ركن المركز بالمعرض، وهما «صراع الجماعات والتعبئة السياسية في البحرين والخليج»، للمحلل المختص بشئون البحرين جستن غينغلر، وكتاب «ما بعد الشيوخ…   الانهيار المقبل للممالك الخليجية»، للدكتور كريستوفر ديفيدسون.

كما يتواجد في المعرض كتاب «مرافعة كرامة: الشهيد النمر»، الذي أصدرته «مرآة البحرين» بالتعاون مع مركز «كيتوس» الثقافي.

وتعرض في الركن الإصدارات الفنية والثقافية المميزة لـ«مرآة البحرين»، وأهمّها «جدران 14 فبراير… غرافيتي الثورة»، و«الصورة دونها الموت»، فضلا عن الكتب والوثائقيات الأخرى ككتاب «داعش بيننا… الدولة البحرينية وصعود الإسلام الجهادي»، كتاب «شوكة الأطباء»، و«القضاء البحريني وذرائع الإرهاب، و«نصوص النتائج من تقرير بسيوني»، وكذلك تتواجد سلسلة حصاد الثورة، التي تصدرها المرآة سنويا.

وكذلك تعرض الإصدارات الأخرى لـ«مركز أوال»، ومن بينها كتاب الباحث السعودي فؤاد إبراهيم «داعش من النجدي إلى البغدادي… نوستالجيا الخلافة»، وكتاب «سيرة احتجاج… السيرة النضالية لعبد الهادي الخواجة» للباحث البحريني عباس المرشد، وكتاب المرشد الآخر «جدار الصمت: انهيار السلطوية».

هناك أيضا كتاب «أعلام الثقافة الإسلامية في البحرين طوال 14 قرنا» لسالم النويدري، و«ديوان الشيخ جعفر الخطي»، والسلسلة التاريخية التي أصدرها المركز.

2

3

5

6

81

السفير: الديري في «إله التوحّش»

الديري في «إله التوحّش»: الإسلام كاستسلام لجبروت الوهابية

رحيل دندش

«إله التوحّش» كتاب جديد للدكتور علي الديري، صدر عن مركز «أوال للدراسات والتوثيق»، فيه يستكمل الديري ما بدأه في كتابه الأول «نصوص متوحشة» في ما شكّل امتداداً لهذه النصوص مع نشوء العقيدة الوهابية. يستعرض الكاتب السياق السياسي والعقائدي والفقهي للوهابية وغدوها سلطة تتحكّم في اللغة والسؤال والجواب والمعنى والتأويل، مع انعقاد الزواج المقدس بين الدعوة والدولة في اتفاق الدرعية العام 1744. يسهب الكاتب في شرح عمل محمد بن عبد الوهاب على إفراغ مفهوم التوحيد من روحانيته الدينية، وصوغه في أفق نصي وحرفي حتى أصبح أيديولوجيا أحادية صلبة ومبدأ شمولياً يُقتل كل مَن يخالفه، ويكيّف فقط وفق ما تمليه مصالح ولي الأمر السياسية، فتحوّل إسلام المرء بموجبه إلى استثناء.
شكلت العقيدة الوهابية الأساس لما نشاهده اليوم من انتشار وولادات لحركات التوحش على حد تعبير الديري، نحتاج أن نفهم بداياتها وتمأسساتها ومن هنا أهمية الكتاب. بعض الإشكاليات استرعت الاهتمام، فكان هذا الحوار:

1. من «نصوص متوحشة» إلى «إله التوحش». يبدو وكأنك تذهب إلى منطقة خطيرة، هي منطقة الألوهية، أتحدّث وفي ذهني ما حدث لناهض حتر.
ـ هذه منطقة خطيرة فعلاً، ودماء سالت فيها كثيرة، دماء علماء وفلاسفة ودماء جماعات ومذاهب دينية، وعبدالوهاب أحد الشخصيات التي أضرمت النار فيها. هذه المنطقة يلعب فيها السياسي قبل منتج النص المتوحش، ولا يستطيع النص وحده أن يكتسب صفة التوحش من دون قوة السياسي. ابن تيمية لم يجد القوة السياسية فبقي نصه معطلاً خمسة قرون. حين حمله محمد بن عبدالوهاب، كان يبحث عن قوة سياسية تفعّل هذا النص وتكسبه صفة التوحش، ووجدها في قوة محمد بن سعود.
إله التوحّش هو هذا الذي ينتج من تحالف نص التكفير وقوة السياسي. يشبه مخلوق فرانكشتاين ونموذجه الأكثر قوة مثله التقاء نص محمد بن عبد الوهاب وسيف محمد بن سعود.

2. علماً أن محمد بن عبد الوهاب يُعدّ مصلحاً دينياً يدعو للتوحيد الصحيح؟
ـ صفة المصلح تذكّرني هنا بفكرة الثورة التصحيحية في العالم العربي والأنظمة الشمولية التي تؤول إلى خراب شامل وعنف مستحكم. إن فكرة محمد بن عبدالوهاب عن التوحيد «الإله» هي مصدر عنفه الذي ينزله على المخالفين له، لقد تملكت هذه الفكرة عقله حتى صار لا يرى في الحياة غيرها، كما قال علي الوردي. لقد أصبح مشغولاً بها، كما ينشغل مريض التوحد بلعبة واحدة، ويتمركز حولها فيفقد التواصل مع الآخرين.
صار «التوحيد» في خطابه وممارساته الدينية والسياسية الجهادية «توحّداً». بمعنى فقد «التوحيد» كونه عقيدة تحرر الإنسان وتفتحه على البشر، وأصبح مرضاً يقيده ويكبله بالكراهية والعنف والتوحش. وهذا ما اختصره محمد بن عبدالوهاب في عبارته التي يكررها «إن العبادة هي التوحيد، لأن الخصومة فيه». صار «التوحيد» في ممارسته الدعوية والسياسية يحدّد مَن هم الخصوم، ومَن هم مستباحو الأعراض والأموال، ومَن هم مهدورو الدم. صار الإله بهذا المفهوم المتوحش لـ «التوحيد» عدواً للبشر أو مثيراً للعداوة بين البشر، وهذا ما يشير إليه عنوان كتابي.

3. لماذا اليوم تركز اهتمامك على الوهابية، كما لو أن المشكلة مشكلة ثقافية؟ لا يمكن أن ننكر أن السعودية اليوم تخاف على كيانها من الوهابية، هي التي حرصت على ضبطها بجعلها سلطة مُبررة لها ليس إلا؟
ـ الوهابية من غير مبدأ طاعة ولي الأمر تغدو مخلوقاً يشبه مخلوق فرانشكتاين، يقتل ويدمّر ولا يمكن السيطرة عليه، ويهدّد خالقه. «السرورية» التي زاوجت بين بانطلون سيد قطب وعباءة ابن تيمية، هي أول تنظيم بهذا الانتشار يكسر مبدأ الطاعة، فأصبح بالفعل مهدّداً سلطة ولي الأمر، لذلك وصفهم الألباني بأنهم خوارج العصر، لكن خرجوا على تراث ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، الجواب لا. السعودية لا تخشى الذين يحملون هذا التراث المليء بالكراهية والعنف، لكنها تخشى من الذين يكسرون الطاعة، وجهاز «هيئة كبار العلماء» بالمملكة، هو أقرب إلى أن يكون هيئة صيانة الطاعة، فالطاعة دستور الدعوة الوهابية بالنسبة للسعودية.

4. كيف تمّت صياغة خطاب الدعوة الوهابية بما جعلها تراثاً مليئاً بالكراهية والعنف؟
ـ وضعت هذه الدعوة 10 نواقض للإسلام، وفي كل ناقض تفاصيل يكمن فيها شيطان التكفير والقتل؛ مَن يختلفون معك هم ليسوا من صنف الأخ لك في الدين أو النظير لك في الخلق، بل هم من صنف النقيض. كل الشياطين في تفاصيل هذه النواقض العشرة هم نقيض لك، عليك أن تتبرّأ منهم وتكفّرهم وتقتلهم.
ناقشت هذه النواقض في الفصل الرابع من كتابي، ووجدت أنها تمثل تشكيلة خطابية، صاغت خطاب الدولة الذي تبنّاها وصاغت شكلها وتاريخها، وصاغت المجموعات الدعوية والجهادية ومشاريعها التربوية والتبشيرية التي تفرّخت منها على مستوى العالم. الكراهية والعنف تكمن في هذه النواقض.
صارت هذه النواقض سيفاً يبرّر ما قامت به الوهابية في تاريخها، وقد نقل لنا المؤرخ الرسمي ابن غنام مجازر مروّعة يصرم (يقطع) فيها سيف التكفير النخيل ويخرب الزروع، كما فعل في منطقة «منفوحة»، ويحرق الكتب ويزيل ما يسمّيه أوثانًا ومتعبّدات وكنائس، كما فعل في القطيف.
كل هذه الممارسات مسجّلة بفخر في التاريخ الرسمي، باسم «نواقض الإسلام» ويتناسى هذا الخطاب أنه يناقض تعاليم النبي (ص) وخلفائه في الحفاظ على الزرع والنخل والرفق بالناس والمحافظة على معابدهم.
الخطاب الذي شرّع هذه الممارسات هو نفسه الذي شرّع لـ «داعش» خطف أكثر من 5000 رجل وامرأة وطفل من الطائفة الإيزيدية بعدما اجتاح مناطقهم في العراق، وقتل رجالهم واتخذ نساءهم سباياً.

5. أعطيت للفصل الرابع من كتابك عنواناً مزدوجاً (نواقض الإسلام: الاستثناء المستحيل) ماذا تعني هنا بالاستثناء المستحيل؟
ـ الرائج بين أهل السنة والجماعة «لا استثناء في الإسلام»، وهي تعادل «لا تكفير في الإسلام»، أي إننا لا نستطيع أن نستثني أحدًا نطق بالشهادتين من دائرة الإسلام. قد نستثني أحدًا في موضوع الإيمان، ولكن لا نستثني أحدًا في موضوع الإسلام. على هذه القاعدة يصبح تكفير المسلم الذي يقرّ بالشهادتين مستحيلاً، فالإسلام هو كلمة الشهادتين.
هذا الأمر لا نجده في خطاب «الوهابية»، بل نجد أن الاستثناء هو الأصل، فمَن يوصف بالمسلم (ممن ينطق بالشهادتين) هو الاستثناء، ومنطوق الخطاب الوهابي يقول إن الأصل هو أن الجميع كفار، مع أنه يدّعي أنه لا يُكفّر إلا مَن كفّره الله وكفّرته نصوص السنة والقرآن، لكن الممارسة الخطابية تؤول إلى أن الجميع يكفّرهم الله ويكفّرهم القرآن وتكفّرهم السنة إلا من شهد «أن هذا الدين الذي قام به الشيخ محمد بن عبد الوهاب، هو الحق الذي لا شك فيه ولا ريب». وهذه الشهادة حلّت محلّ «لا إله إلا الله» وحين تمكن جيش ابن سعود من المدينة ومكة أجبر علماءها على توقيع هذه الشهادة بالاسم. صار الاستثناء قاعدة في خطاب الوهابية، عبر خطاب نواقض الإسلام العشرة.
صار الإسلام ليس السلام وليس الإقرار بالشهادتين، بل هو الاستسلام والطاعة والانقياد، لجبروت القوة الوهابية ومؤسساتها. وهذا ما تعنيه وثيقة الإقرار التي أُجبر على توقيعها علماء مكة والمدينة، مذعنين منقادين مطيعين، وقُبل إسلامهم بها، والغريب أن كتب التاريخ السعودي الرسمي يحتفظ بها كإنجاز تاريخي سياسي وديني.

6. أعود لنقطة كنتَ قد ذكرتها في الكتاب وهي أن توحيد بن عبد الوهاب لم يكن تكتيكاً سياسياً، بل كان وما زال عقيدة راسخة مبدئية وهذا ما يجعل منها ثقلاً على الدولة، وذلك بعكس التوحيد التومري الذي كان تكتيكاً سياسياً أكثر منه عقيدة. هل برأيك أن الواقع الراهن قد يشكل تهديداً للثنائية الدولة والدعوة في السعودية؟
ـ قامت دولة الموحّدين قبل ستة قرون من الدعوة الوهابية، على كتاب ابن تومرت «أعز ما يطلب»، وقد كفّرت دولة المرابطين التي سبقتها، بقي الكتاب يُدرّس في مدارس الموحدين، كما هو شأن كتاب محمد بن عبدالوهاب «التوحيد»، لكن حكمة الموحدين طوت صفحة التكفير، واعتبرت الجميع مسلماً موحداً، بعدما تغلّبت سياسياً على المرابطين الذين اعتبرتهم كفاراً ومشركين.
هذه الحكمة افتقدتها الدولة السعودية، فلم توحّد مكوناتها، وبقيت تنظر إليهم بعين التكفير والشرك والشك، بل إنها وسعت صفحة التكفير بدلاً من أن تطويها، وصارت على قدر مساحة العالم، كما نشاهدها اليوم، فحيث تتمكّن الوهابية، يتمكّن التوحش.
تفكيك العلاقة بين الدعوة والدولة، يعني ضياع الدولة، وهذا ما يجعل الدولة السعودية تعتبر الدعوة الوهابية ركناً من أركانها، فهي التي تعطيها الشرعية، وتفرض لها الطاعة، وتكيّف لها أحكام الواقع والسياسية. وقد اختبرت ذلك جيداً، ويمكننا أن نتذكر هنا حرب الخليج الثانية، حين أراد تيار الصحوة تجييش الشارع وانتقاد استعانة الدولة بجيوش الغرب الكافرة، تصدّى لهم كبار علماء الوهابية، مانحين الشرعية لوجود هذه الجيوش، ومحرمين انتقاد استعانة ولي الأمر بهم، لقد حموا حرم الطاعة وأنقذوا الدولة من خطر كبير.
ما زالــت عائلة الشيخ محمد بن عبـــدالوهاب تمـسك الجهاز التشريعي للدولة، منذ زمن الدولة السعودية الأولى التي خصصت لبيت الشيخ من الغنائم ثمانين ألف ذهب، ولعائلة آل سعود ثلاثمئة ألف ذهب سنويًّا.

رابط الموضوع

الهروب من الوحش

باسمة القصاب*

أعترف أني شعرت بنوع من التثاقل، قبل البدء بقراءة كتاب الصديق علي الديري، الصادر عن مركز أوال للدراسات والتوثيق «إله التوحش.. التكفير والسياسة الوهابية» رغم إدراكي أهمية هذا الكتاب والعمق الذي يحويه. أقول تثاقلت، لأن التوحش الذي نغرق فيه، يجعلني -مثل غيري- نبحث عن كتاب نهرب به عن هذا الواقع الكريه، إلى نصّ أنيس، لعلّه يعيد لنا شيئاً من إنسانيتنا المفقودة، أو ينعش فينا حرارة الحب التي غابت عن قلوبنا وجوارحنا. وربما لأني أعتقد أن الخروج على الوجه القبيح للعالم يبدأ من إشاعة الحب، لا من إعادة نبش هذه النصوص القبيحة، كان داخلي يقول: قراءة نصوص هؤلاء المتوحشين، توحش آخر.

لكن ما إن دخلت، حتى وجدتني انزلق في قراءة سلسلة، ما يشبه رواية تاريخية مشوّقة ومتعمّقة، وإن كانت موجعة، رواية تعرض سيرة رجل وسيرة دولة، تمر عبر اتفاق تاريخي مفصلي، وقع شفاهة بين رجلين: رجل ملّة ورجل دولة. كان الأول بحاجة إلى قوة السلاح لينشر دعوته، والثاني بحاجة إلى العزّ والتمكين. هكذا أطلق رجل الدولة القوّة في يد رجل الملّة، مقابل ما وعده به الأخير “وأنا أبشرك بالعز والتمكين والنصر المبين”. كان ذلك اتفاق الدرعية في العام 1744م، بين الشيخ محمد عبد الوهاب، والأمير عبد العزيز بن سعود.

هذا التناول، صيغ بحسّ نقدي عميق، حسّ لا كراهية فيه، تناولٌ يتمنى تقديم مراجعة نقدية تؤسس لاستئصال هذه النصوص، التي لا ترينا غير صورة إله متوحش غريب، ودين روحه الكراهية والتقتيل.
لا يحمل هذا النقد مناكفة من ابن طائفة لطائفة أخرى، فعلي الديري الذي عُرف بمناكفته الثقافية اللاذعة لطائفته الاجتماعية ونقدها، لا يتناول في كتابه هذا طائفة تكفّر طائفة أخرى، بل (عقيدة) تكفّر المختلف وتستبيح دمه وماله وحلاله، مهما كان هذا الآخر مشتركاً معها في الطائفة نفسها، أو مختلفاً عنها في المذهب أو الدين. إنها عقيدة متطرفة عنيفة مبنية على البراءة والكفر، فمن لا يؤمن بـ(لا إله إلا الله) على طريقتها في التوحيد يُكفّر.

يأتي هذا الكتاب متقاطعاً ومتكاملاً مع كتابه «نصوص متوحشة» الذي صدر في 2015، فالديري مشغول بمحاولة فهم جذور التوحش الذي نعيشه اليوم، أو الوحش الذي سرق وجوهنا. وهو ينطلق من فرضية تقول أن خلف كل صراع عقائدي تقتيلي وتكفيري، أصل سياسي: “فتش في كل خلاف حول التوحيد وما يتصل به من صفات الألوهية عن السياق السياسي، لتفهم هذا الخلاف، وكذلك إذا أردت أن تفهم صراعات الفرق العقائدية والكلامية، فتش عن السياق السياسي”. ليس هناك أقوى من أن تضرب خصمك السياسي في عقيدته لتخرجه من الإسلام، فتشرعن قتله وتبيح التخلص منه.

يتتبع الديري في كتابه الأخير، كيف تحول كتاب دعوة هو «كتاب التوحيد»، إلى وثيقة حركة سياسية ودينية، ودستور دولة لاحقاً. وكيف صارت تلك (الدعوة) عقيدة حرب واختصام توسّع باب الشرك، وتفتح باب الكفر. كيف جُرّد مفهوم التوحيد من كل معاني الوحدة والإيمان ولم يعد يمثّل غير الخصومة والتبرؤ والتكفير والمحاربة فقط. وكيف جُرّد مفهوم الإسلام من كل معاني السلام، حتى أصبحت رسالته محصورة في الجهاد فقط. وكيف جرّد جميع المسلمين ممن هم خارج هذه (العقيدة) من الإسلام، حتى صار الاستثناء من الإسلام هو الأصل.

إنه ليس نبشاً للتاريخ، فالنبش يقتضي أن يكون المنبوش ميتاً أو منتهياً، لكننا هنا أمام حاضر له امتداد تاريخي. أمام نصوص معاشة وحيّة تعمل على تشكيل أتباعها وصياغة عقيدتهم وتوجيه تكوينهم وعلاقتهم بالآخر. نصوص لم يتم تجاوزها كتاريخ، بل ما زالت تدرس في المدارس وتنشر وتترجم وتعاد طباعتها وتوزيعها والتبشير بها والدعوة إليها في الداخل والخارج.

إنه الوجه الحقيقي الذي يلاحقني في حياتي ولا أستطيع الهروب منه مهما ذهبت إلى نصوص السلام والحب ونمت محتضنة إياها لعلها تراودني في أحلامي على هيئة حمامات سلام بيضاء.  ومهما هربت، عندما أستيقظ صباحاً، لن أرى غير جرائم الوحش وهي تزلزل أسى العالم!

*كاتبة من البحرين

رابط الموضوع