Uncategorized

الوطنية الفاترة

 

يقول المؤرخ البحريني ناصر الخيري (1293-1344 هـ/ 1876-1925م) في ختام مقدمة كتابه “وأنتم يا ناشئة الوطن أجمع، ويا أدباء بلادنا الكرام، أضع بين أياديكم وأقدم لكم كتابي (تاريخ البحرين [قلائد النحرين في تاريخ البحرين])… وأملي أنكم ستتقبلون بإخلاص وطني هدية أخيكم ومواطنكم الذي كرّس شطرًا من نفيس أوقاته وهجر كثيرًا من لذاته، مكدًّا مجدًّا حتى أبرز لكم هذه المجموعة النفيسة… رجاؤه الوحيد ومكافأته منكم في عمله أن توفوا في المستقبل الوطنية الصحيحة بمعناها الصحيح” 

لقد طبع كتاب ناصر الخيري طباعة محققة، من قبل جهة حكومية هي مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية، وتمّ تدشينه في حفل رسمي في فندق الريجنسي في كانون الأول/ ديسمبر 2014 وبعد أسابيع تمت مصادرة النسخ وسُحب من السوق، وتمّ حل مجلس إدارة المركز. 

لماذا ما زال إلى اليوم يرفض الوطن هذه الهدية؟ لماذا يضيق نَفَس الوطن عن الاحتفاء بهذه (المجموعة النفيسة) من أوراق ناصر الخيري التي تبلغ 437 صفحة مخطوطة بيده؟ لماذا عصي على هذا الوطن أن يحقق أمل هذا المؤرخ البحريني في قبول كتابه؟ 

لقد خرج هذا الكتاب خائفًا يترقب من موطنه منذ لحظة الانتهاء من كتابته ووفاة مؤلفه في العام 1925، واختفى  ثمانين عامًا، لا أحد يعرف مصيره، حتى تمّ العثور عليه في الكويت. لا شك أنه يتمنى أن يعود إلى موطنه، لكن ما زال هذا الوطن يتأبّى عليه، يبدو أننا لم نوفِ الوطنية الصحيحة بعدُ بمعناها الصحيح كما رجانا (الخيري) فلم نستحق بعدُ أن يكون هذا الكتاب في وطننا غير المنجز.

كان ناصر الخيري شاهدًا على تاريخ الأحداث المفصلية في البحرين في الربع الأول من القرن العشرين، الأحداث التي تبلور من خلالها المفهوم القانوني للبحريني، نقرأ كتابه اليوم باعتباره شاهدًا على هذه الأحداث وشاهدًا على صلتها بأحداث 2011، فالأسباب التي جعلت مخطوطة كتابه تُرحل خارج البحرين، هي نفسها التي مازالت تمنع كتابه أن يعود إلى البحرين، لقد كتب عليه النفي القسري الطويل كما ما زال يكتب على أبنائه النفي والإبعاد والإسقاط من المواطنة.

يحمل الرجاء والأمل اللذين كتب بهما (الخيري) مقدمته التاريخية، التوتر السياسي الذي عاشه في تلك اللحظة المفصلية من ولادة البحرين الحديثة، لقد عاش توتر ما أطلق هو عليه “فاتحة عصر سياسي” ابتدأت في 1904، وبلغت ذروتها في 23 أيار/ مايو 1923 حين وقف بتكليف من المقيم السياسي، يقرأ ترجمته لخطاب العزل التاريخي على أعيان البلاد وجميع مكوناتها: آل خليفة، القبائل السنية، الشيعة البحارنة، الأجانب. كان خطابًا يُعلن نشأة مُستأنفة للبحرين، أزيح فيها عيسى بن علي ونظام (الحكم القبلي) حيث الإقطاع والفداوية والقضاء الشرعي، ونُصب فيها حمد بن عيسى ونظام (حكم القبيلة) حيث الإدارات الحديثة للدولة والقضاء المدني والبلدية وإدارة تسجيل الأراضي.

وقف ناصر الخيري مع الإصلاحات كمثقف عصري، أراد لوطنه أن يدخل عصر الحداثة، ووقف أيضًا مع هذه الإصلاحات كموظف في البلدية المتصلة بدار الاعتماد البريطاني، شكلت هذه المعية إشكالية وطنية بالنسبة له، فقد كان عضوًا في النادي الأدبي بالمحرق ويحمل رؤية ثقافية مختلفة وموقعًا وظيفيًّا مختلفًا، أراد أدباء النادي القريبون من عيسى بن علي وابنه عبدالله بن عيسى من ناصر الخيري أن يكون معهم إلى جانب العائلة الحاكمة المعارضة للإصلاحات، وأراد هو شيئًا آخر، وقد عبرت رسالته الشهيرة عن ذلك “ومن مثل هذى [هذا] كنت أخشى على أصحابنا أهل النادى وأعارضهم وأنهاهم عن التطرف فيما لا طائل منه. ولكن هدى الله بعضهم يحسبون الناصح لهم فاتر [فاترًا] في الوطنية عديم الإخلاص لها”. لقد تحمل (الخيري) التشكيك في وطنيته، ووصفها بأنها وطنية فاترة في نظر من عارضوا الإصلاح السياسي، وترك لنا (قلائد النحرين) هدية، لتكون حَكَمًا على إخلاصه، وشاهدًا على محنته في وطنه الذي لم يُنجز بعد وطنيته الصحيحة، ليكون جديرًا بإعادة توطين (قلائد النحرين) ضمن أرشيف تاريخه.

قدرنا أن نتعلم الوطنية من مثقف لم يعرف أصلًا يرجعه إلى قبيلة، فقد كان من (الموالي)، وهذا جعله متحررًا من ثقل الانتماء القبلي، وثقل تمثيل مصالح هذا الانتماء وأعرافه وتقاليده الذي تجسّد في موقف القبائل الرافض للإصلاحات في العشرينيات.

لقد كرر(الخيري) مشتقات كلمة (وطن) أربع مرات في الفقرة الختامية لمقدمة كتابه، وكأنه يوصينا قبل أن يغلق درسه الأخير، أن نحقق مشروع الإصلاح السياسي الذي شارك في صنعه في العشرينيات، وأرّخ له، ورأى فيه مشروع وطن لولادة البحريني، البحريني الذي ليس مجرد نوستالجيا وذاكرة وانتماء وحنين وتاريخ وثقافة، بل البحريني المحمي بالقانون والمُنصف بالحقوق، والمعترف به في الدستور، البحريني الذي تمنحه الدولة مساواة كاملة في الحقوق والواجبات، هذه هي (الوطنية الصحيحة)  التي تحدث عنها ناصر الخيري.

يا ناصر، نعتذر إليك.. 

تسعة عقود من كتابك، ونحن لم نوفِ الوطنية التي تطلعت إليها، تسعة عقود من كتابك ولسنا قادرين أن نتقبل هديتك، لا رجاؤك منا تمكنا أن نوفيه ولا أَمَلُك قادرين أن نستقبله.

هذا الكتاب قراءة في الأحداث التي عايشها ناصر الخيري، والصراعات التي كان شاهدًا عليها، والتحولات التي كان جزءًا من الجدل حولها.

علي أحمد الديري

24 أيار/ مايو 2017

مدينة ويندزر

أونتاريو، كندا



لماذا تكره السلطات البحرينية صعصعة بن صوحان؟ ولماذا يحبّه شعب البحرين؟

اضغط هنا للاستماع للحلقة

د. علي أحمد الديري

لقد كان صعصعة بن صوحان منفيًّا للشام في زمن عثمان بسبب ثورته، ومطالبته بالإصلاحات، وفي مرات أخرى، كان مبعوثًا من قبل الإمام علي (ع) وقد التقى بمعاوية مرات كثيرة. وتحكي كثير من الأخبار المدونة في كتب التاريخ عن هذه اللقاءات والحوارات الكثيرة بين معاوية وصعصعة. وقد وردت قصة في كتاب الذهبي “سير أعلام النبلاء”-وهو من الشخصيات الكبيرة وأحد تلامذة ابن تيمية- يقول فيها إنّ صعصعة بن صوحان وفد على معاوية، فخطب، فقال: “إن كنت لأبغض أن أراك خطيبًا”، قال: “وأنا إن كنت لأبغض أن أراك خليفة”¹. أي إنّ معاوية يكره أن يرى صعصعة خطيبًا، وكأنه يقول له: لسانك طويل وتتحدث دائمًا بما يغيظ الحاكم، ولا تسكت عن الحق، ولديك بلاغة مزعجة، فأنا أبغض ذلك فيك. فكيف رد عليه صعصعة بن صوحان بخطابه وبلاغته؟ قال له إنّه أيضًا يبغض أن يراه خليفة. وهذا كلام كبير وفيه بلاغة رائعة جدًّا.

تجد السلطات البحرينية في خطاب صعصعة بن صوحان ما وجده معاوية فيه؛ خطاب مزعج للسلطة، مطالب بالحق، لا يسكت عن الظلم، ويريد الإنصاف للآخرين والعدالة لهم، وهي لا تريد أن تسمع هذا الصوت. أمّا شعب البحرين، فهو في الجانب الآخر، يبغض أن يرى معاوية خليفة، وأن يرى من يمثل نهج معاوية يتسلّط على الآخرين ويظلمهم، ويستأثر بالسلطة، ولا يسمح بمشاركتها، ويحوّلها إلى ملك عضوض. هذه الذاكرة التي تربط شعب البحرين بصعصعة تربطه بخطابه أيضًا، وهو شعبٌ يقدّر صعصعة بن صوحان كخطيب شحشح، متمكن، قوي، وبليغ؛ إنه ليس بليغًا في تركيب الكلمات فقط، إنما تكمن بلاغته بقدرته وجرأته على أن يقول للحاكم الفاسد “أبغض أن أراك خليفة” وحاكمًا وصاحب سلطة.

نلاحظ هنا استخدام كلمة “البغض” أو “الكره”، إذ لا يوجد ما يفسّر أفعال الحكومة البحرينية اليوم من منع لزيارة هذا المقام، والمسجد، والقبر. فلا مصلحة مادية هناك، أو بئر نفط، أو موقع استراتيجي تريد أن تنشئ فيه مشروعًا اقتصاديًّا كبيرًا. لا يوجد ما يدفع السلطة البحرينية لأن تغلق هذا المكان أو توعز إلى التكفيريين والمتعصبين كي يقوموا بتخريبه أو نشر مقالات تشكك في أن هذا المكان قبر لصحابيّ أو تابعي أو شخصية ذات مقام كبير. لا يوجد ما يفسر ذلك غير البغض والكره والحقد. لقد أصبحت هذه أمور من ضمن مهمات الخطاب الحقوقي الذي يسعى لإيقاف الكراهيات وتقليلها ومحاربتها وفضحها، أنا شخصيًّا لا أجد سببًا يفسّر ذلك غير الكراهية.

الكراهية هنا مبنية على أسباب عقائدية، وأسباب أخرى تتعلق بموضع هذا القبر، والمقام والشاهد، في منطقة عسكر الشهداء، التي كان يسكنها البحارنة الذين تعرضوا سابقًا لاضطهادات ولعمليات ترحيل من مساكنهم، وبقي هذا الشاهد شاهدًا على أنهم كانوا هنا. فالسلطة ترفض وجود أي علامة تشير إلى تواجد سكان أصليين في هذا المكان، إذ إنها تتبنى فكرة “بلاد بلا عباد”؛ أي أن هذه المنطقة كانت بغير سكان، وهي التي جاءت، وفتحت وعمرت. ولا أدري كيف يمكن أن يكون هناك فتح من دون وجود بشر في هذا المكان.

ما تقوم به هذه السلطة يُحركه  خطاب الكراهية، فلا يعوز السلطات البحرينية أن تبحث عن مُسوّغ. مثلًا، إذا كانت هذه السلطة لا تؤمن أن هذا المقام هو قبر، فليكن شاهدًا أو مقامًا. هناك مسوغات شرعية لهذا الأمر، فالشيخ علي الطنطاوي، مفتي الديار المصرية، وأحد كبار علماء الأزهر، يقول إن المسلمين ابتكروا فكرة المشاهد والمقامات لكي يتذكروا هؤلاء الصحابة والتابعين والعلماء، وهو يعطي أمثلة على ذلك فيقول إن السيوطي عاش في القاهرة ودفن فيها، ولكن أهل أسيوط أقاموا له في أسيوط مقاما. وصعصعة بن صوحان كذلك، فهو قد دفن بعسكر أو أقيم له مقاما ومشهدا هناك لأنه من أهل البحرين، ومن قبيلة عبد القيس. يمتلك أهل البحرين مشاعر اعتزاز كبيرة به وبأخيه زيد بن صوحان ولهذا بني له مقامًا.

يقدّم الشيخ الطنطاوي مثالًا آخر كالإمام الحسين، والسيدة زينب، ورأس الإمام الحسين، وغيرها الكثير من الأمثلة التي تقول إن هذه المقامات تعطي مكانة لهؤلاء الأشخاص المسلمين، ولا تتعارض مع الشرع. فلا يوجد أي مسوغ لأن تقوم السلطة بحملة كراهية كي تغلق هذا المكان أو أن تصادره غير الحقد والكراهية والتحامل وإثارة الفتن بين أبناء الدين الواحد، والمجتمع الواحد، والوطن الواحد. 

ومن الأمثلة الأخرى مقام، وشاهد، ومسجد الصحابي أبو أيوب الأنصاري وهو الذي يسمى السلطان أيوب في تركيا. وهذا المكان ليس قبره إنما مقامه، وله قصة كبيرة في فتح القسطنطينية. هذا الشاهد كان بمثابة إلهام روحي كبير أعطى المسلمين الأتراك قوة هائلة لفتح القسطنطينية لذلك أنشئ هذا المسجد الذي لا يزال مقدسًا عند الأتراك. وجرت العادة أن أي حاكم تركي يقصد هذا المقام بعد انتخابه، وحين يلقي الرئيس  خطابا مهما ومصيريا بالنسبة للأمّة يزور المقام.  ولا نستطيع القول تاريخيًّا إن هذا المقام هو قبر لأبي أيوب الأنصاري، ولكنه تأسس استنادًا إلى قصة وحلم. تعتبر الذاكرة التركية والمسلمين اليوم أن هذا المكان هو مكان أبو أيوب الأنصاري. فكيف يمكن لنا أن نفرّط بمقام الصحابي صعصعة بن صوحان، هذا المكان التاريخي الرائع، لأحقادٍ وكراهيات غبية.

نعود لمجلس معاوية بن أبي سفيان الذي نعثر فيه على قصة أخرى بطلها صعصعة بن صوحان، وتعيننا على الإجابة على سؤال هذه الحلقة. تقول القصة: تكلم صعصعة عند معاوية بكلام أحسن فيه، فحسده عمرو بن العاص فقال: هذا بالتمر أبصر منه بالكلام، قال صعصعة: أجل أجوده ما دق نواه ورق سحاه وعظم لحاه والريح تنفجه والشمس تنضجه والبرد يدمجه، ولكنك يا ابن العاص لا تمرًا تصف ولا الخير تعرف، بل تحسد فتقرف.

فقال معاوية لعمرو: رغمًا لك! فقال له عمرو: أضعاف الرغم لك وما بي إلا بعض ما بك² كان ابن العاص يريد أن ينتقص من مقام صعصعة بن صوحان، فقال له إنه يعرف بالتمر أحسن مما يعرف بالكلام. وهنا يشير بقوله إلى عبد القيس الذين سكنوا البحرين واستوطنوها واشتغلوا في الزراعة والنخيل وتركوا حياة البدو وأصبحوا متحضرين؛ والشخص الذي يعطي للغزو والسلب قيمة كبرى يعتبر هؤلاء أهل تمر وينتقص منهم ومن مقامهم. وما زال أهل البحرين يفتخرون أنهم أهل تمر وأهل نخل، والنخل يعرفهم.

وجوابه هنا كان في منتهى البلاغة، فوصف له معرفته وبلاغته مشيرًا إلى أنه يجيد الوصف والبلاغة والكلام، ويمتلك خبرة عريقة جدًّا بالتّمر والنخل، في حين أن ابن العاص لا يعرف أن يصف التمر، أي أنه لا يمتلك الخبرة، ولا المهنة، ولا يعرف اللغة، ولا البلاغة، ولا الخير لكنه حسود ومقرف. فقال معاوية إن صعصعة قد رغم أنف ابن العاص، فأجابه ابن العاص  إنّه قد رغم أنف معاوية في التراب أكثر، وإنه ما ذاق إلا شيئًا من أضعاف الإذلال والترغيم في التراب الذي أصاب معاوية. هكذا هو صعصعة بن صوحان؛ يستخدم اللغة دائمًا للانتصار للحق، وإسكات الظالمين، لذلك لا تحبه السلطة التي تريد إسكات الآخرين، والمعارضة ولا تريد أن يكون في هذا البلد من يستخدم الكلام ببلاغة وإنصاف من أجل الانتصار للحق.

شعب البحرين يحب صعصعة لأنّه كان امتدادًا لبلاغة الكلام المنتصرة للحق وامتدادًا للحق نفسه، وليس امتدادًا للكلام المزيف وليس امتدادً للانتصار للحاكم ذي الملك العضوض. ما زالت البحرين وأهلها أهل تمر وبلاغة وشعر وخطاب، فمساجدهم ومخطوطاتهم وكتبهم تشهد على ذلك.

لذلك نتحدث عن حرب في الذاكرة، فالسلطة لا تريد ذاكرة للبلاغة والانتصار للحق، ولا تريد لهذا المقام أن يذكّر أهل البحرين أنهم أبناء صعصعة بن صوحان، بل تريد أن تجعل أبناء البحرين أبناء معاوية، بمعنى الحاكم الذي يجهّل الناس، ويجعل الناس يسبحونه ويقدسونه ويشتمون ويسبون من هو في مقام عال كالإمام علي الذي شتمه أهل الشام أكثر من سبعين سنة بأمر من معاوية. هذا نوع من أنواع الكراهية التي تورث البغضاء بدل أن تخلق الألفة التي يجب أن تكون بينهم

__________________

١. الذهبي، سير أعلام النبلاء.

٢.  قاموس الرجال: ج 5 ص 123، وبهج الصباغة: ج 11 ص 270. 



“الترجمة: التلةُ التي نصعد”

اتخذ مركز أوال شعار «التلة التي نصعد» (The Hill We Climb) للاحتفاء بيوم الترجمة العالمي في هذا العام. وكما عودناكم في مركز أوال، فإننا نتخذ في كل عام شعارًا نقارب من خلاله شقا من مفاهيم الترجمة.

شعار هذا العام هو «التلة التي نصعد» (The Hill We Climb) عنوان قصيدة لشاعرة سوداء نحيلة صغيرة اسمها «أماندا غورمان» (Amanda Gorman)، مكونة من 710 كلمة، وقد ألقتها في حفل تنصيب «جو بايدن» (Joe Biden) رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية بتاريخ 20 كانون الثاني/ يناير 2021م.

أثارت هذه القصيدة في ترجمتها جدلًا كبيرًا، بعد أن حاول ناشر ألماني أن يقوم بإسناد مهمة الترجمة إلى مجموعة من الأدباء المتخصصين. وطرحت أثناء هذه المحاولة مجموعة من الأسئلة كان أبرزها: «هل يمكن للأبيض أن يترجم معاناة الأسود؟ وهل يمكن للأبيض أن يترجم قصيدة تتحدث عن تجربة السود؟ أم هل يليق أخلاقيًّا أن نستعين بمترجم أبيض، في حضور المترجمين السود؟ هل يمكن أن يكون المترجم الأبيض أمينًا على ترجمة جرح الأسود؟ هل يمكنه أن ينصت إلى عمق هذا الألم الذي تحمله كلمات الأسود؟

التلة في قصيدة (أماندا) تُشير إلى مبنى الكونغرس الأمريكي، السلطة التشريعية في البلاد، ويبلغ ارتفاع المبنى مع التلة التي أقيم عليها 221 مترًا. صعود هذه التلة، هو بمثابة المشاركة في النظام السياسي، والهيئة التشريعية، ونظام الدولة ودستورها. خاض الأسود تجربة مريرة، ليصعد إلى هذه التلة، ويكون في مصاف الأبيض فوقها، عنوان القصيدة يُشير إلى هذا الصعود.

شُيِّد هذا البناء في العام 1793م، والأكيد أن العمال الذين شيّدوه في ذلك الوقت كانوا من العبيد السود؛ لم يصعدوا التلة حينئذٍ ليشاركوا في التشريع، ليحميهم من ظلم الأبيض، بل ليُسيّدوا البيض. لكن مكر التاريخ وتحولاته جعل هذه التلة مكانا لكل الألوان، ما بُني على أيديهم هو الذي حررهم وضمن لهم حقوقهم، والقصيدة تشير إلى ذلك.

اخترنا هذا الشعار لنشير أولًا إلى الجدل الحاصل حول ترجمة هذا القصيدة، وهو جدل نافع ومفيد، يفتح نقاشات حول مفهوم الترجمة.

كما أن هذا الشعار يشير إلى أن الترجمة ليست عملية تبديل كلمات ولا بحث عن مرادفات، إنما تقع في قلب الصراع، وفي قلب المعاناة.

هذا الشعار يؤكد أن الكلمات تحمل جرحنا الوجودي الناطق، وهذا ما شرحناه في شعارنا في العام السابق «الترجمة شق كلام»، والشق هنا يحمل معنى المشقة، وليس معنى «الفتحة» فقط، وهي جرح كذلك؛ ويشير إلى أن الترجمة هي جرح في الوجود، وليست فقط جرحًا في الفم الذي نتكلم منه ونترجم من خلاله. هذه القصيدة هي تعبير عن هذا الوجود. والشاعرة أثناء إلقائها القصيدة كانت تمثّل جرح العرق الأسود، والبحث عن مترجم ينصت إلى هذا الجرح هو كالبحث عن طبيب ومعالج على هيئة مترجم.

الترجمة تحمل المعانى والألم والمشقة، لذلك فضلنا ترجمة العنوان «التلة التي نصعد» على ترجمة «التلة التي نتسلق» لأن الصعود فيه المشقة والمعاناة، والاستخدام القرآني للصعود يشير إلى ذلك في قوله تعالى: ﴿يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ (سورة الأنعام، الآية 125)، كما أن المعجم العربي دائمًا ما يقرن الصعود بالألم وتنفّس الصعداء بعد أن يزول هذا الألم.

الترجمة بقدر ما تكون ناطقة ومتحدثة ومعبرة، تمتلك القوة، قوة الصرخة الموجودة في النص الذي قيلت فيه، والكامنة في الجرح الذي نطق بهذا النص.

مركز أوال للدراسات والتوثيق


أن تترجم يعني أن تعبر الحدود التي تفصل بين اللّغات والثّقافات والهُويات وتردم الهُوّة بينها. أن تترجم يعني أن تُشيّد جسراً تتعارف عنده الثقافات وتُعرّفُ عن نفسها وتتصالح مع هُجنتها بأن تؤسس لمفاهيم الاختلاف والحوار والانفتاح والتنوع.

أن تترجم يعني أن تعمل في الخفاء والعلن، أن تَصِلَ المجهول بالمعلوم بأن تشدّ رحالك مُسافراً في المجاهيل؛ أن تتفاوض، أن تقاوم، أن تفض النزاعات، لتتمكن في النهاية من «صعود التلّة» لتُشرِفَ على مشهدٍ جديد، فضاء معنى جديد لا ينشغل بثنائيّة الهامش والمركز وينفلت من قبضة الذات والآخر.

قصيدة «التلة التي نصعد» كشفت عن محنة الترجمة تحديداً بوصفها موضعاً للمفارقة، ولعلّ واحدة من أشهر المفارقات هي تعريف الترجمة الجيدة بأنها تلك التي لا يستطيع القارئ معرفة كونها ترجمة.

أي بعبارة أخرى، تثبت الترجمة قيمتها بالتخفي؛ بالانصياع لتوقعات ثقافة بعينها والرضوخ لنزعتها العِرقية التي لا ترغب باستقبال الاختلاف الثقافي ولا التعامل معه.

إنها شكل من أشكال العنصرية «المُقنّعة»، بتعبير شتراوس، تلغي التنوع الثقافي وتمحو كونيّة الأثر الإنساني وشموليته وتتمركز حول ذاتها ناسفةً فعل الترجمة بوصفها فن تخطي الحدود.

برأيي أن محاولة الأبيض للتعرف على «جرح» الأسود تمثل خطوة مهمة لنبذ العنصرية وللتقرّب من الآخر المختلف ولتبديد الظلام على اعتبار أن الجرح، بتعبير جلال الدين الرومي، هو الموضع الذي يدخل منه النور.

خالدة حامد تسكام

مترجمة وأستاذة جامعية/ بغداد


دائمًا ما يكون النص المترجم موضع انتقاد وتعليق وتقييم على يد كثيرين ممن قد ينصفون المترجم أو لا ينصفونه. لكن لا يمكن أن ننكر جهده وتخبطه بين لغتين وثقافتين، ناهيك عما يكون الكاتب قد صبّه في النص من شخصيته ومن نفسه ومن لسانه.

يقع المترجم في معظم الأحيان في شراك تحليل المقاصد والمعاني الخفية، فلا يدري هل يحتفظ بهويته أثناء الترجمة، أم هل يبتعد عنها ويحاول أن يضع نفسه مكان الكاتب.

وللأمانة، لا توجد قاعدة محددة لذلك، إنما يبقى ذلك رهنًا بما يريده المؤلف أو الناشر.

كثيرة هي الصعاب التي ينبغي على المترجم أن يتجاوزها، فعليه أن ينقل النص من لغته الرئيسة إلى لغة أخرى، محافظًا على اتساقه، ومضمونه، وملتزمًا بخلفيته، ومراعيًّا شخصية المؤلف، ومحاولًا أن يفهم المضامين الموجودة بين السطور.

لقد عملنا في مركز أوال على ترجمة عدد من الكتب، كان أبرزها «مجموعة أرشيف البحرين في الوثائق البريطانية الأصلية»، التي تتألف اليوم من ستة مجلدات مترجمة لوثائق بريطانية عن البحرين، يعود أقدمها إلى العام 1820م.

إن اختلاف اللسان، والثقافات، والعادات، أوجب علينا محاولة فهم البحرين كما رآها البريطانيون، كي نتمكن من مطابقتها مع لساننا وثقافتنا. كانت كأنها إعادة ترجمة لنص مترجم أساسًا. فالبحرين دولة عربية ذات لسان عربي، ترجمها البريطانيون في وثائقهم إلى الإنجليزية، ونحن أعدنا ترجمتها من جديد إلى اللغة العربية.

تحديات الترجمة كثيرة، وكل مترجم يجد منها زاوية مختلفة وجديدة، تفرضها طبيعة النص وطبيعة مؤلفه، وتصبح هذه التحديات تلة يجهد المترجم في صعودها ليصل إلى قمة يستطيع أن يرى منها النص بشكل أكثر وضوحًا وشمولًا.

رؤى شمس الدين

مترجمة / لبنان


ترجمة النصوص الأدبية تشبه المثل الإنجليزي الشهير

Put yourself in my shoes 

«ضع نفسك في حذائي»

بشرط امتلاكنا مقاس القدم ذاته.. سيكون «حذائي» وستكون «نفسك» لكنها التجربة المشتركة بيننا..

حشر القدم الكبيرة في الحذاء الصغير تضخم من المعاناة وانتعال القدم الصغيرة للحذاء الكبير يسخف من التجربة.

دعاء إبراهيم

مترجمة / البحرين


Words travel worlds, bridging distances and building civilizations and none of this could have been made possible without the bearers of words, the messengers and travelers: translators.

To translate is to be entrusted with a message, carefully carrying it along a challenging trek laced with hurdles and an arduous climb to the hilltop.

There is a widely adopted notion that a translation of worth is one whose translated nature is rendered invisible to the reader.

This cloak of invisibility is often thrown over translators as well, rendering them forgotten instruments and nameless soldiers, literally “lost in translation”.

However, when speaking of Amanda Gorman’s poem, The Hill We Climb, a debate has emerged pushing the translator into the spotlight.

Upon looking into this debate, one can conclude that it is rather a debate over trust in whether the translator has the ability to convey this culturally significant work in another language based on the translator’s background, race, culture or lived experience.

In such cases, one can argue that choice of the translator could hold as much significance as the message behind Gorman’s poem and her voice as a young, outspoken woman of color, given that black women are often systematically marginalized. This begs the question: Does the visibility and identity of the translator matter?

Yes, it does matter because context matters, and “who translates” here could be seen as part of the context. As words are not mere letters on a page; words have memories and a history of their own. And in the words of Anthony Burgess: “Translation is not a matter of words only: It is a matter of making intelligible a whole culture.”

Batoul Assi

Translator from Lebanon


للتحميل بصيغة PDF: الترجمة التلةُ التي نصعد
نسخة الهاتف

ملائكة الحمد: الشهيدان مصطفى ومحمد

حُماة الباب الأخير
شهادات من ساحة الفداء في الدّراز خلال الفترة
(20 يونيو 2016 / 23 مايو 2017)

 

 

 

الفصل‭ ‬الخامس‭:‬‭ ‬شهداء‭ ‬الباب‭ ‬الأخير
ملائكة الحمد: الشهيدان مصطفى ومحمد


 

في‭ ‬أحداث‭ ‬2011،‭ ‬أثناء‭ ‬اعتصام‭ ‬دوار‭ ‬اللؤلؤة،‭ ‬رأى‭ ‬ابني‭ ‬محمد‭ ‬في‭ ‬المنام‭ ‬امرأة‭ ‬جليلة‭ ‬القدر‭ ‬يشع‭ ‬منها‭ ‬النور،‭ ‬قدمت‭ ‬له‭ ‬قميصين،‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬استلمهما،‭ ‬بل‭ ‬أخته‭ ‬الصغرى‭. ‬سألنا‭ ‬رجل‭ ‬دين‭ ‬عن‭ ‬تفسير‭ ‬هذا‭ ‬الحلم،‭ ‬فقال‭ ‬لنا‭: ‬‮«‬لو‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬أخذ‭ ‬القميصين‭ ‬لكان‭ ‬استُشهِد‮»‬‭. ‬مرّت‭ ‬السنوات،‭ ‬ونسينا‭ ‬موضوع‭ ‬الحلم‭. ‬ويبدو‭ ‬أنّ‭ ‬أوان‭ ‬شهادته‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬قد‭ ‬حان‭ ‬آنذاك،‭ ‬فقد‭ ‬ادُّخِرت‭ ‬له‭ ‬لوقت‭ ‬أعظم‭.‬

تتذكّر‭ ‬والدة‭ ‬الشهيدين‭ ‬محمد‭ ‬ومصطفى،‭ ‬وتروي‭ ‬لنا‭ ‬سيرة‭ ‬ابنيها‭ ‬المتعطّشين‭ ‬للشهادة‭. ‬تكمل‭:‬

عندما‭ ‬استُشهِد‭ ‬مصطفى،‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬محمد‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬الذي‭ ‬رأيت‭ ‬الحلم،‭ ‬فكيف‭ ‬يستشهد‭ ‬أخي؟‮»‬

وعندما‭ ‬قرأ‭ ‬وصيّة‭ ‬مصطفى،‭ ‬انكسر‭ ‬كثيرًا‭ ‬وقال‭: ‬‮«‬كيف‭ ‬لم‭ ‬يذكرني‭ ‬أخي‭ ‬في‭ ‬وصيّته؟‮»‬‭ ‬

لم‭ ‬أتمكّن‭ ‬من‭ ‬إجابته‭ ‬حينذاك‭. ‬

عند‭ ‬لحاق‭ ‬محمد‭ ‬بأخيه‭ ‬بعد‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬شهرين،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬سُمح‭ ‬لنا‭ ‬بالذهاب‭ ‬إلى‭ ‬المقبرة،‭ ‬جلست‭ ‬عند‭ ‬قبره،‭ ‬وقلت‭ ‬له‭: ‬‮«‬الآن‭ ‬أستطيع‭ ‬إجابتك‭ ‬على‭ ‬السؤالين‭: ‬

لم‭ ‬يذكرك‭ ‬أخوك‭ ‬في‭ ‬وصيّته‭ ‬لأنّك‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬يلحق‭ ‬به‭..‬

أما‭ ‬عن‭ ‬حلمك‭ ‬بالشهادة،‭ ‬فقد‭ ‬كانا‭ ‬قميصين‭ ‬وليس‭ ‬قميصًا‭ ‬واحدًا‭. ‬الأول‭ ‬له،‭ ‬والثاني‭ ‬لك‮»‬‭.‬

بين‭ ‬استشهاد‭ ‬مصطفى‭ (‬18عامًا‭) ‬واستشهاد‭ ‬محمد‭ (‬22‭ ‬عامًا‭) ‬شهران‭ ‬إلا‭ ‬يومًا‭ ‬واحدًا‭. ‬ارتدى‭ ‬مصطفى‭ ‬قميص‭ ‬شهادته‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬مارس‭/‬آذار،‭ ‬وارتدى‭ ‬محمد‭ ‬قميص‭ ‬شهادته‭ ‬في‭ ‬23‭ ‬مايو‭/‬أيار‭ ‬2017‭. ‬

كان‭ ‬كلّما‭ ‬دخل‭ ‬عليّ‭  ‬يحدّث‭ ‬عن‭ ‬الشهادة،‭ ‬وكنتُ‭ ‬ألمح‭ ‬بريق‭ ‬عيونه‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬ماضٍ‭ ‬على‭ ‬خطى‭ ‬أخي‭ ‬يا‭ ‬أمي‭..‬‮»‬‭ ‬

يومان‭ ‬وأكون‭ ‬عندك‭! ‬

أتى‭ ‬إليّ‭ ‬مصطفى‭ ‬وقال‭: ‬‮«‬أمي،‭ ‬سحبوا‭ ‬جنسية‭ ‬الشيخ‮»‬‭. ‬قلت‭: ‬‮«‬وماذا‭ ‬ستفعل‭ ‬أنت؟‮»‬‭ ‬قال‭: ‬‮«‬سأذهب‮»‬‭. ‬قلت‭: ‬‮«‬ماذا‭ ‬ستفعل‭ ‬إن‭ ‬ذهبت؟‮»‬‭ ‬قال‭: ‬‮«‬إذا‭ ‬أنا‭ ‬ذهبت،‭ ‬وغيري‭ ‬ذهب،‭ ‬واجتمعت‭ ‬الحشود‭ ‬عند‭ ‬بيت‭ ‬الشيخ،‭ ‬سنتمكن‭ ‬من‭ ‬حماية‭ ‬الشيخ‭ ‬إذا‭ ‬هجموا‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‮»‬‭. ‬ثم‭ ‬أضاف‭: ‬‮«‬يومان‭ ‬وأكون‭ ‬عندك‮»‬‭. ‬ فقلت‭ ‬له‭: ‬‮«‬في‭ ‬أمان‭ ‬الله‭ ‬يا‭ ‬حبيبي‮»‬‭. ‬

ذهب‭ ‬مصطفى‭ ‬ومر‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭.. ‬الثاني‭.. ‬الثالث‭..‬

في‭ ‬اليوم‭ ‬الرابع،‭ ‬دخل‭ ‬علي‭ ‬محمد،‭ ‬وقال‭: ‬‮«‬سوف‭ ‬أذهب‭ ‬إلى‭ ‬الدراز‮»‬،‭ ‬فقلت‭: ‬‮«‬وماذا‭ ‬ستفعل‭ ‬هناك؟‮»‬‭ ‬قال‭: ‬‮«‬سأذهب‭ ‬مع‭ ‬الشباب‭ ‬المعتصمين‭ ‬لنحمي‭ ‬الشيخ‮»‬‭. ‬قلت‭: ‬‮«‬فليكن‭ ‬الله‭ ‬معك‮»‬‭. ‬وقال‭ ‬لي‭ ‬كأخيه‭: ‬‮«‬يومان‭ ‬وأكون‭ ‬عندك‮»‬‭. ‬فقلت‭ ‬له‭: ‬‮«‬في‭ ‬أمان‭ ‬الله‭ ‬يا‭ ‬حبيبي‮»‬‭. ‬

ومنذ‭ ‬خروجهما،‭ ‬لم‭ ‬يعودا‭ ‬إليّ‭ ‬ليكونا‭ ‬عندي،‭ ‬اختارا‭ ‬أن‭ ‬يكونا‭ ‬عند‭ ‬الله،‭ ‬فصار‭ ‬لكل‭ ‬منهما‭ ‬يوم‭ ‬عنده،‭ ‬وقميص‭ ‬صدق‭.‬


للتحميل بصيغة PDF

في حفل أقيم بمكتبة أنطوان… الناقد البحريني علي الديري يوقع كتبه في بيروت

مرآة البحرين: أقام مركز أوال للدّراسات والتوثيق حفل توقيع لكتب الناقد والمؤلف البحريني الدكتور علي الديري، مساء يوم أمس الجمعة 9 فبراير/شباط 2018، في مكتبة أنطوان بأسواق بيروت، وذلك بحضور عدد من الإعلاميين والمثقفين والنشطاء.

ووقّع الديري خلال الحفل كتابي “من هو البحريني؟” و”إله التوحش” الصادرين عن مركز أوال، كما وقّع أيضا كتاب “بلا هوية” الصادر عن مرآة البحرين، وجميع هذه الكتب صدرت من بيروت خلال العامين الماضيين، بعد انتقال المؤلّف إلى منفاه في كندا.

حول كتاب «بلا هويّة» قالت مقدّمة الحفل الإعلامية البحرينية وفاء العم، إن الديري “استطاع أن يحوّل مسألة إسقاط الجنسية إلى معالجة لقضية الهوية، من يصنعها ومن يهدمها، انطلاقًا من الأسئلة التي طرحتها أماسيل، ابنته التي لم تتجاوز الاثني عشر ربيعًا” حينئذ. ولفتت إلى أن “أماسيل أخرجت الديري من حالة المفكر إلى الأب ونقلت أسئلتها من فلسفة الكلمات ودلالاتها إلى الأب الذي يبحث عن إجابات يقدمها لابنته ولأبناء المنفيين”.

وأضافت العم أن “المعضلة الأساسية التي تشهدها البحرين” تكمن في “أن تجد نفسك فجأة بلا هوية، خارج الجماعة، وخارج الوطن” مضيفة “أن تكون بلا هوية أو أن تُنتَزَع هويتك قسرًا هي بذاتها عملية توحش، سواء كانت تصب في التوحش العقائدي أو في التوحش السّياسي اللّذين نشهدهما، والهدف دائًما هو السّلطة”.

ولفتت العم إلى أن كتب الديري شاهد على مرحلة تحول في مسيرته، من الكتابة الفكرية الجامدة إلى الكتابة الحركية، حيث يمكننا أن نلحظ تغيرًا بين ما قبل انتفاضة العام 2011 وما بعدها، وما قبل المنفى في كندا، وما بعده.

وفي مداخلة لها عن كتاب “من هو البحريني؟”، قالت الإعلامية نور البكري إننا نجد في الكتاب “توضيحًا لافتا للفرق بين مصطلح بحريني وبحراني “وكيفية تغير دلالات كلمة “بحراني”، لتحمل مضامين سياسية وطائفية وتثير الحساسيات، بعدما كانت تشير إلى السكان الأصليين للبحرين”،  وأنّ “سؤال “من هو البحريني؟”، الذي يجيب عليه الكتاب الأخير للكاتب يقدم إجابات على سؤال يطرح نفسه بقوة هذه الأيام: لماذا يبدو سهلاً إسقاط الجنسية في البحرين؟”

وخلال الجلسة، وجهت الإعلامية راميا ابراهيم سؤالها للكاتب عن الجمهور الذي يوجه إليه هذه الكتب، وعما إذا كان متورطًا في قضية صراع سلطة؟ شارحة أن هذا السؤال بديهي ويطرح نفسه في الأزمة البحرينية بين المعارضة والسّلطة حاليًا.

وأجاب الدكتور الديري بأن “هدفه الأساسي في كتبه كمن في دراسة النّصوص التي أسّست لما يمثل هذا الكل أو الأنا.. أي هذا القتل وهذا التّكفير وهذا الهدر لإنسانية الإنسان وحقّه في الوجود” مضيفًا أنها “قضايا تخص الوطن، ولست أستطيع تحديد ما إذا كنت متورطًا في ذلك، غير أني أتحصن بأدوات علوم الإنسان الحديثة من السّقوط في أي فخ طائفي أو معرفي أو عرقي”، خاتمًا “وكفى بالتاريخ شاهدًا”.

من جانبه رأى الدكتور حسين رحال أنّ “المثقف الملتزم هو الذي يدافع عن قضايا شعبه، وأن صراع المعارضة البحرينية والمثقفين البحرينيين حاليًا هو من أجل البقاء على قيد الحياة والمشاركة ضد العنف الرّمزي الذي يُمارس ضدهم، والمتمثل في النفي وإسقاط الجنسية، بعد أن مورس ضدهم العنف المادي”، لافتًا إلى أن “تجربة الديري تبرز أنه على المثقف الملتزم أن يدفع ثمن أي من التزاماته”.

وأشارت الإعلامية تغريد الزناتي إلى أن هذه الكتب، لا سيما كتاب “من هو البحريني؟” دفعتها إلى التّساءل بشأن مفهوم المواطنة الفكري، لافتة إلى أن “هوية المواطن تقع بين مفهومين: مفهوم المواطنة (أين وُلدنا؟ أين نعيش؟ أين أرضنا؟ أين أهلنا؟) وبين السجلات الرسمية النائمة في أدراج مكاتب الوزارات والحكومات”، وأضافت أنّ “مفهوم المواطنة تحول في البحرين إلى سَند يمتلكه الإنسان بحسب الأفضلية، وبحسب التقلبات السياسية أو المصالح الاقتصادية. هنا مواطنون فقدوا “ورقة الهُوية” لأسبابٍ سياسية، لاختلافات في الآراء والقناعات، وبسبب ممارساتِهم الفكرية. هنا أيضاً من نال “ورقة الهُوية” نفسها لنيل حقوقٍ لم يقُم أصحابُها بواجباتهم أصلاً لاستحقاقها. وكانت الهوية هدية لهم..”

الزناتي استشهدت بتصريح للكاتب في مقابلة له على قناة الميادين بأن “التعريف القانوني ليس مكتوباً على ورق، بل هو مكتوب بالدم” لتختم “هذا هو البحريني، شخصٌ ينشد الحرية، ويوسّع مجالَها العام بسلميتِه، ويغذي أرضَها بدماء شهدائِه، ويظلُ يحلمُ بوطنٍ حرٍ ومواطنة تحفظُ كرامتِه”.

من جانبها أعربت الدكتورة خولة مطر عن سعادتها “للقدرة البحثية العميقة التي نجدها في كتب الدكتور علي الديري والجهد الذي يسد الفراغات الناقصة في المكتبة البحرينية”،  مضيفة أنّه “حوّل الظّروف الصعبة إلى فرصة، وهو ما نحتاجه سواء في البحرين أو في المنطقة العربية ككل”. وشدّدت على “ضرورة أن يقرأ الجميع هذا الكتاب (من هو البحريني) لأنه يشكل مرحلة مهمة من تاريخ البحرين غير معروفة حتى للبحرينيين أنفسهم”، وختمت بالقول إن “مثل هذه المشاركات ستصنع رجال ونساء المستقبل الذين سيصنعون التراث الحقيقي للبحرين”.

وتقدّم رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان، باقر درويش، بمداخلة عن كتاب “من هو البحريني” قال فيها “إنَّ إعادة كتابة الحقائق التاريخية التي تشتغل السلطة على تزويرها هي من وسائل الاحتجاج الثقافي السلمي، خصوصا وأنَّ الحكومة عمدت إلى تقويض سلطة المثقف الملتزم في البحرين”.

وأضاف “كتاب من هو البحريني هو منجز معرفي هام وأحد أفعال الاحتجاج الثقافي السلمي، وسينافس في القادم من الأيام كتاب القبيلة والدولة لفؤاد الخوري، وهو الوثيقة التي صفع بها الديري قرار إسقاط جنسيته” حسب تعبيره.

درويش تحدّث عن تجربته مع قراءة الكتاب بقوله “كنت وأنا أقرأ صفحات الكتاب أتمنى ألا تنتهي” وأردف “هذا الكتاب هو تتمة لمشروع أرشيف البحرين في الوثائق البريطانية، نحن بحاجة إلى مزيد من هذه الدراسات التي تسلط الضوء المعرفي على الزوايا المسكوت عنها أو الحوادث التاريخية التي عمدت الحكومة إلى تشويهها وتزويرها”.

ولفت محمد العصفور إلى أنّ انشداده إلى الكتاب انبعث من “معالجته لهذا التزاحم على حق الوجود الذي همش البحراني حتى أنتج سؤال من هو البحريني، البحريني الذي كان مكان السخرة ومكان العسف من قبل الحاكم ومن قبل محازبيه، وجعل السخرة مظهرا مِن مظاهر طبقنة المجتمع وجعل السكان الأصليين في الدرجة الأخيرة في الوطن”.

واستحضر العصفور في مداخلته كتاب القبيلة والدولة في البحرين، فقال إنّ ” كتاب من هو البحريني يشبه ولا يماثل كتاب القبيلة والدولة، لفؤاد إسحاق الخوري، لكن كتاب خوري كتاب اجتماعي محض، كانت أدوات صاحبه أكاديمية اجتماعية صرفة وليست أدوات متطورة كالتي نملكها اليوم، أما كتاب الدكتور الديري فينطوي على سعة في المعرفة وتنوع في الأدوات، ويقوم على قراءة علمية وثيقة لوثائق الأرشيف البريطاني”.

وتلت المداخلات مجموعة من الأسئلة وجّهها المشاركون للدكتور الديري الذي وقّع كتبه  في ختام الحفل للحضور.

الدكتور علي الديري1

الدكتور علي الديري2

الدكتور علي الديري4

رابط الموضوع

دار حفظ التراث البحريني

مؤسسة تجمع بين فلسفة العمل الفردي والالتزام بالرؤية المؤسسية
وسام السبع*

تبدو تجربة السيد محمود الغريفي البحراني إحدى التجارب العلمية الرائدة في مجال إحياء  تراث علماء البحرين وحفظه. ليس بوصفه مؤسساً لدار حفظ التراث البحراني المعنية بنشر تراث البحرين العلمي والادبي وتحقيقه فحسب؛ بل لكونه أحد من ترجموا همومهم وتطلعاتهم المعرفية إلى واقع حي، وحركة دؤوبة ونشاط لا يفتر وفق صيغة عمل مبرمجة ومدروسة.

تستفيد هذه الحركة من إمكانات ومكتسبات العمل الجماعي، وتنفتح على كل الساحات باتساع المهجر من العراق وإيران إلى الهند وباكستان مروراً ببيروت والشام إلى مشارف القارة الأوروبية. دون أن تحدّ من القدرة على التعبير عن التوترات المعرفية الخاصة، أو تلتزم بالخط المرسوم لها سلفا في مجال لطالما عشقه السيد الغريفي في فترة مبكرة من حياته العلمية، وأبدع وسكب فيه حبراً كثيراً، وهو مجال التراجم والسير. ومؤخراً، شرع بتكريس جهوده في جمع وتحقيق التراث العلمي البحراني.

السيد محمود الغريفي أحد من سكنتهم الهموم الكبرى منذ حداثة سنّه، فشغلته هموم البحث والتأليف. وباشر حراكه الاجتماعي والديني مسنوداً بذخيرة علمية وحصيلة ثقافية هائلة امتزجت بالاستعداد الفطري والقابليات الشخصية الجمّة والطموح الجامح والمهارات الخطابية. هذا كلّه جعل من الغريفي أحد أركان العمل الديني والنشاط الثقافي في منطقته. وكانت ساحة عمله الأول في إسكان عالي بمملكة البحرين، قبل أن تتعاظم مساحات حركته إلى الإطار الدولي العابر للقارات والحدود الجغرافية للدول.

السيد محمود ابن السيد مصطفى ابن السيد حسين ابن السيد ابراهيم ابن السيد محسن ابن السيد عبدالله ابن السيد احمد ابن السيد عبدالله ابن السيد أحمد ابن السيد علي ابن السيد علوي ابن السيد أحمد المقدس ابن السيد هاشم البحراني ابن السيد علوي (عتيق الحسين) ابن العلامة السيد حسين الغريفي. ولد في «النعيم» في البحرين عام 1972، ونشأ وأكمل دراسته الأكاديمية فيها إلى جانب مقدمات الدراسة الحوزوية، ثمّ هاجر إلى مدينة قم المقدسة، في العام 1986، لطلب العلم فحضر دروس البحث الخارج على أساتذتها الأعلام كالشيخ جوادي الآملي، والشيخ جعفر السبحاني وغيرهم.

نشر السيد الغريفي العديد من المقالات والدراسات في مختلف المجالات. وكان يرأس تحرير مجلة مرآة الكتب الشهرية، وهي نشرة شهرية توثيقية ترصد حركة الكتاب في الجمهورية الإسلامية، صدر منها ما يزيد على 62 عدداً.

بالإمكان تقسيم أعمال السيد الغريفي ومصنفاته إلى ثلاث مجموعات، المجموعة الأولى : التصنيف، المجموعة الثانية: الإعداد والتحقيق، والمجموعة الأخيرة الشرح والتيسير.

أولا : التصنيف

منذ بداية حياته العلمية زاول السيد محمود الغريفي الكتابة. وكانت من أوائل الكتابات التي أنجزها، وهو في حداثة سنه، كتاب صغير وضعه حول المرحوم الشاب أحمد القزاز المتوفى عام 1991م، في مطلع تسعينيات القرن الماضي. ولقد وقع في يدي حينها، وقرأته وكان مخطوطاً بخط اليد. وكانت هذه من البدايات الأولى التي فتح بها السيد الغريفي عهداً جديداً من العطاء الفكري بعد أن كان على تماس مباشر مع هموم مجتمعه.

ويدخل في هذا النوع من النتاج الفكري المتعدّد الذي تركه السيد الغريفي تلك الكتابات التي تتضمن عملية الترجمة عن الفارسية وأحياناً الأوردية. كما أن الكثير من هذه الكتابات بذل فيها السيد جهداً ميدانياً التزم فيه بالمعايشة الواقعية لمجتمع بحثه، الأمر الذي جعل من بعض الكتابات أشبه بـ «ربورتاج» صحفي تتسم لغته بكثير من الحيوية والجزالة والأسلوب المشرق.

ولقد وضع السيد الغريفي العديد من المصنفات، أبرزها :

الشعائر الحسينية بين الوعي والخرافة (160 صفحة).

سيرة فقيه أهل البيت السيد الكلبايكاني (256 صفحة).

خليفة الإمام الراحل (480 صفحة).

الجهاد والسياسة في حياة الشيخ الكندي (112 صفحة).

العلامة السيد أحمد الغريفي من الولادة إلى…؟ (144 صفحة).

الآثار الدينية في المملكة الأردنية الهاشمية دليل مختصر (32 صفحة)

جعفر الطيار وشهداء مؤتة (32 صفحة).

لقد اختاره الحسين.. سيرة العلامة السيد ذيشان جوادي الرضوي الهندي (96 صفحة).

جارية الزهراء .. شهادة لا ترد.

مشهد الرؤوس.

الشيخ عيسى الطري والأهواز والثورة

بسنديدة السيرة وذكريات قرن من الثورة

الخرافة المعقولة .. إنها الهند يا زوجتي.

أنا الغريب.. ملامح الحياة في امبراطورية الدونكري العظمى

قضية العصر .. ببليوغرافيا مرجعية.

مرجعية الدفاع عن العقيدة.

مفردات وجدانية في عشق الذات الحسينية.

ثانياً : الأعمال التحقيقة

يرى السيد محمود الغريفي أن التراث البحراني له من العمق الزماني الذي يمثّل سابقيه على الكثير من أزمنة التراث الأخرى، فالتراث البحراني :

تراث كمي، وذلك لأن البحرين عريقة في العلم ولا تخلو مدينة من مدنها أو قرية من قراها أو بيت من بيوتها من واقع علمي ومخزون تراثي.

والتراث البحراني تراث كيفي، إذ ركّز علماء البحرين على جوانب مغمورة أو حجم الإنتاج فيها قليل فأثروها بالكتابات والمصنفات، كما كانت لهم السابقية في جملة من الموضوعات.

إن التراث البحراني تراث ملتزم، فلم يكن في التراث البحراني أي إسفاف بل كل النتاج المعرفي البحراني هو في خط الالتزام العلمي والخلقي.

إن التراث البحراني تراث منتج وناقل للمعرفة، فكما أبدع علماء البحرين في تقديم المفاهيم الأصيلة من منابعها الأصلية (الثقلين)، فقد كان للتراث البحراني سهم كبير في نقل المعرفة من خلال التعاطي مع نتاج الآخر، عبر شرحه والتعليق والتعقيب عليه واستنساخ الثمين منه.

ومن منطلق الإحساس بالمسؤولية تجاه هذا التراث المنسي، ساهم السيد الغريفي وبشكل عملي في ترجمة هذا الهمّ إلى مشروع على الأرض. وعمل على تحقيق العديد من المصنفات العلمية لعلماء البحرين، وأصدرها تباعاً عن دار حفظ التراث البحراني، التي انطلق عملها في 11 نوفمبر 1997م ( 13 رجب 1418ه)، وجاءت معظم إصدارات الدار التحقيقية من أعماله، بالإضافة إلى التعاون مع محققين آخرين منهم الشيخ حبيب آل جميع وأحمد المرهون والشيخ علي المبارك.

ومن أبرز أعمال السيد محمود الغريفي التحقيقية :

عقد الدرر في إدخال السرور على بنت سيد البشر، للشيخ ياسين بن أحمد الصواف، 128 صفحة.

تعيين الفرقة الناجية رسالة منسوبة للشيخ إبراهيم القطيفي البحراني، 120 صفحة.

طريقة الرياضة الشرعية للشيخ أحمد البحراني.

العجائب والغرائب في أخبار الأمم السالفة والقرون الماضية، للشيخ عبدالله السماهيجي.

الغدير، للشهيد الشيخ عبدالله بن عرب.

من نفحات الولاية (ديوان شعر) للسيد حسين السيد شبر.

تعيين الثقل الأكبر للشيخ مكي بن صالح البحراني.

مؤجج الأحزان أو إلتهاب نيران الأحزان في وفاة غريب خراسان، للشيخ عبدالرضا آل مكتل الأوالي.

مقتل أمير المؤمنين للشيخ حرز المشهداني.

رواية الغصب والهجوم على مولاتنا الزهراء.

من خطب شيخ الإمامية في عصره، للشيخ أحمد بن المتوج البحراني.

نظم حديث الكساء، للنابغة البحراني السيد عدنان بن السيد شبر البحراني.

صفحات حول زيارة عاشوراء، بخط العالم السيد عبدالله بن السيد أحمد الغريفي.

الصلاة والسلام على المعصومين، للسيد إبراهيم بن السيد محسن الغريفي.

الاعتبار في كربلاء، للسيد حسين بن السيد شبر البحراني.

الذخيرة في يوم المحشر، للشيخ سليمان بن عبدالله الماحوزي.

شرح صفات الرسول، (من أوراق) السيد علي بن السيد إبراهيم كمال الدين.

مفتاح السرور في بقرة وسيع الثغور (المشهور في البحرين برواية البكرة) لأحد أعلام البحرين في القرن الرابع عشر.

إجازة العلامة الشيخ علي البلادي للسيد مهدي الغريفي البحراني.

نظم مقتل الحسين للشيخ حسن الدمستاني.

السلافة البهية في الترجمة الميثمية، للشيخ سليمان الماحوزي.

وفاة الإمام الحسن للشيخ عبدالرضا بن المكتل الأوالي.

القادحة الدهيا في مقتل يحيى بن زكريا، للشيخ حسين العصفور.

وفاة النبي يحيى، للشيخ عبدالرضا بن المكتل الأوالي.

حرقة الحزين في تسقيط سيدة نساء العالمين، (من أوراق) طه بن يوسف صالح بن يسوف بن محمد.

نظم مقتل الزهراء للسيد حسين بن السيد الحسن الغريفي.

ثاني المصائب والشهاب الثاقب على رؤوس المناصب (في وفاة الزهراء)، للشيخ محمد بن ناصر المعلم البحراني البربوري الاحسائي.

مثير الزفرات ومجري العبرات في وفاة الزهراء، للشيخ محمد بن جعفر العكري البربوري

الدرة الغراء في وفاة السيدة الزهراء، للشيخ حسين آل عصفور.

عقود الجمان في حياة الزهراء، للشيخ جعفر أبو المكارم.

أنوار المناقب، للشيخ عبدعلي بن خلف آل عصفور.

خطبة البيان، برواية علماء البحرين.

شرح خطبة النبي لشهر رمضان للشيخ محمد علي آل عصفور.

تتمة أوراد الأبرار في شهادة الكرار للشيخ محمد بن الشيخ أحمد آل عصفور.

الرسالة الرجبية في حكم النظر إلى المرأة الأجنبية، رسالة المرجع الديني السيد عبدالله الشيرازي 48 صفحة.

وفاة فاطمة الزهراء للشيخ علي البلادي.

إلزام النواصب للشيخ مفلح الصيمري.

تتمة أمل الآمل لآل أبي شبانه.

أوراد الأبرار في مأتم الكرار، الشيخ حسن الدمستاني، 160 صفحة.

كما وأن هناك مجموعة من الكتب جاهزة للنشر وأخرى قيد الإعداد والتحقيق.

ومنذ انطلاقتها، أصدرت دار حفظ التراث البحراني مجموعة من الأثار والكتب ضمن المسلسلات التالية: الببيلوغرافيا والفهارس، التاريخ والتراجم، البحرين للناشئين، إسهامات علماء البحرين، سلسلة أعلام من البحرين، الأعمال المتفرقة، و أخيراً سلسلة من تراث البحرين.

وقد استهدف السيد محمود الغريفي من تأسيس هذه الدار:

العمل على تصنيف كتب التراث والنتاج البحراني المعاصر وفهرستها ودراستها وتسهيل الانتفاع عليها والإستفادة منها.

السعي في جمع المخطوطات والوثائق والصور والنتاجات وحفظها، وكافة ما يتعلق بالتاريخ والتراث البحراني.

العمل على إحياء التراث ونشره ضمن مسلسلات تراثية متخصصة في المجالات العلمية المتنوعة.

إظهار أثر الحركة العلمية للبلاد في مجالات اختصاصها المتنوعة في آفاقها ومناهجها ودور رجالاتها الفعال والمبدع في رفد مسيرة الأمة والمنطقة والبحرين بالعطاء العلمي والأدبي الخلاق.

تسجيل تاريخ البحرين وتدوينه بمنهجية علمية تحليلية تعتمد الموضوعية والحياد وتوثيق المعلومات ودراسة المجتمع في وقائعه وأنماطه الاجتماعية والثقافية والدينية.

كشف ونقد محاولات التزييف والتحريف والتشويه لتراث وتاريخ البحرين العلمي والثقافي والاجتماعي والسياسي.

التعاون والتواصل مع الشخصيات والمؤسسات العلمية والتراثية والمكتبات المتخصصة والعامة محلياً وعالميًا.

يرى السيد الغريفي أن هناك جملة من المشاكل التي مُني بها التراث البحراني. تتمثل المشكلة الأولى في ضياع التراث البحراني، فكم تبعثرت المكتبات والكتب والمخطوطات وذلك بسبب العنف الذي تعرض له البحارنة منذ القدم وحتى اليوم، فتشتّت الكتب والمكتبات بتشتت أصحابها. وإذ تقرأ في بعض الكتب، كمقدمة موسوعة الحدائق الناضرة لمفخرة البحرين الشيخ يوسف آل عصفور البحراني (قدس سره)، تجده قد أعاد كتابته عدة مرات بعد الحوادث التي وقعت عليه، أو جدنا السيد أحمد المقدس الغريفي المعروف بالحمزة والذي قتل في طريق زيارته إلى العتبات المقدسة في العراق، وسرق ما لديه من مؤلفات وكتب ولم يعرف أمرها إلى يومنا هذا. وغيرهما من الأعلام، بل ربما لا تجد عالما من علماء البحارنة إلا وتعرض لمأساة.

والمشكلة الثانية تكمن في جمود الأوساط العلمية عن إحياء التراث. فإذا كان صاحب الحق خاملا فكيف يمكن لغيره، ومع خمول البحارنة عن إحياء تراثهم، إلا أن هناك جهوداً كبيرة من غير البحارنة لإحياء التراث البحراني لعلمهم بقيمة ما لدى علماء البحرين. وفي الفترة الأخيرة، انبرت جهود مبعثرة من البحارنة لإحياء التراث البحراني، ونسأل الله أن يديمها، مع أنها حركة رتيبة وينقصها العون والمدد لكي تواصل مجهودها الثمين فكلها جهود فردية.

أما المشكلة الثالثة، بحسب الغريفي، فتتمثّل في عدم قيام مؤسسات ومراكز لحد اليوم تعنى برصد التراث البحراني وإحياءها. وما هو موجود اليوم في الساحة من جهود هي فردية للغاية وبمعنى الكلمة، وفي إطارها الخاص.

أما المشكلة الرابعة، تتعلق بدخول جهات من خارج البحارنة، وقد يكونون من أصول بحرينية، زادوا في أزمة حفظ التراث وإحيائه بلّة. وذلك، لأنهم لا يعيشون خصوصية هذا التراث حتى يجعلوا له خاصيته بل وأكثر من ذلك إذ يعمل البعض منهم على القضاء على التراث البحراني سلفا لأشياعه الذين رموا كما كبيرا من المخطوطات في الآبار أو البحر كما تحكي المصادر، ومن المؤسف أن بعض البحارنة قد حدى حدوهم.

المشكلة الخامسة والأخيرة تنحصر في حاكمية الزمان والمكان منذ وقت قديم، بحيث جعل قسما كبيراً من المخطوطات والآثار تغرق في بحر الظلم الذي شمل البحارنة ومخزوناتهم وأودى بالكثير منها.

ويضع السيد الغريفي ما يمكن تسميته بـ «خطة إنقاذ» لهذا التراث المهمل، من خلال : القيام بحملة واسعة من التوعية على الأصعدة المختلفة بتاريخ التراث البحراني وقيمته وسبل الدفاع عنه وحفظه وإحيائه، وإيجاد موقع حر وقوي ماديا ومعنويا لجمع التراث البحراني فيه والعمل على إحيائه ونشره، ووقف ما يمكن من الأوقاف داخل البحرين وخارجه لكي تسند مشروع حفظ التراث البحراني وإحياءه، وتداول التراث البحراني من خلال تصويره وأرشفته في الأقراص وكذلك تداوله في الأوساط المختلفة في أنحاء العالم، وتشجيع من يلج هذا الميدان ومساندته وتخطي عثراته، فإن هذا الأمر عائد لكل الوطن. ونبّه سماحته إلى أن من يدخل هذا الميدان عليه أن يلتزم بأمانة التراث مهما كان مخالفا لمعتقده، فإن نشر أي مخطوطة أو حفظها لا يعني تبني ما فيها، وإنما يعني حب الوطن، وحب الوطن من الإيمان.

ثالثا: الكتابات الُميسرة

حرص السيد محمود في بعض الكتابات إلى اعتماد منحى تبسيطي لبعض أطروحات رواد النهضة الاسلامية وكتابتها بلغة ميسرة تحاكي مستوى الناشئة. وكان من أبرز مؤلفاته، في هذا السياق، سلسلة «رؤى من وحي الولاية الحقة». وهي سلسلة حلقات تتناول رؤى وأفكار الإمام الخميني (قده)، صدر منها 25 حلقة في 800 صفحة. كما استهدفت بعض الإصدارات عرض كل ما يتعلق بالتاريخ البحراني وعلماء البحرين بأسلوب قصصي مصور، منها «كل يا كمي: قصة الشيخ كمال الدين ميثم البحراني؛ «أبو رمانة : قصة الشيخ عيسى الدمستاني»؛ كذلك كتاب «مؤذن الرسول (ص) والوفاء لمقام الولاية»، والذي يقع في 32 صفحة.

للمزيد راجع العدد الأول من مجلة أرشيفو 

نعم أنا الوحش وهذه قصتي

السعودية حين تحكي: نعم أنا الوحش وهذه قصتي

تحتاج نصوص التكفير إلى تفكيك، لا إلى تفسير أو تأويل. يحفل التراث الإسلامي بنصوص التكفير، لكن لا تكمن الخطورة هنا، بقدر ما تكمن في النصوص التكفيرية التقتيلية، هنا يكمن الوحش الذي يلاحقه الباحث البحريني علي الديري.

في مساره البحثي سعى إلى تثبيت فرضيته التي ينطلق منها:التكفير مشروع قتل يُمليه صراع سياسي”. أفرز هذا المسار عن إنتاج كتاب نصوص متوحشة… التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية”(عام 2015)، لاحق فيه نصوص التوحش من خلال ثلاثة نماذج متمايزة من حيث وجودها الجغرافي ومن حيث ظهورها الزماني، أبي حامد الغزالي في بغداد وابن تومرت في المغرب العربي، إضاف إلى ابن تيمية في الشام. في النماذج الثلاثة نجح الديري في إثبات أن سياقات التكفير المتوحش أتت كنتائج فرضتها الظروف السياسية.

يستكمل الديري مساره البحثي، هذه المرة بكتابه الصادر عن مركز أوال للدراسات والتوثيق “إله التوحش.. التكفير والسياسة الوهابية”، متوقفاً عند باعث وجوه التكفير المتوحش “محمد بن عبد الوهاب”.

تناول الديري سيرة ابن عبدالوهاب من خلال مصادره الرسمية. غاص في المصادر التي عاصرت ابن عبدالوهاب وأرّخت له، وفكك نصوصه نفسها، ليقدم لنا الهوية السردية للتوحش.

أواخر العام 2015، وبمشاركة الدكتور علي الديري انطلقت حلقة الدراسات الوهابية، التي تناولت سيرة محمد ابن عبدالوهاب، ومسار ما عُرف بـ “الدولة السعودية الأولى”. اعتمدت الحلقات البحثية على المصادر الرسمية التي عاصرت ابن عبدالوهاب، والتي لاتزال تطبعها دارة الملك عبدالعزيز، المهتمة بتوثيق تاريخ المملكة العربية السعودية وشبه الجزيرة العربية. شكلت كتب المؤرخين حسين ابن غنام وعثمان بن بشر، أهم المصادر التي اعتمدتها الحلقة. ورغم التنقيحات المتكررة التي أُدخلت على هذه المصادر في طبعاتها المتعددة، ظلت هذه الكتب تحمل تعقيدات مزعجة تتعلق بمعجمها التكفيري وحوادث العنف التي تسردها  كبطولات للآباء المؤسسين للدولة والدعوة.

في كتابه “إله التوحش التكفير والسياسة الوهابية”، نجح الكاتب في تفكيك هذه السردية. وإلى حد كبير تميّز بقدرته على استلاب اهتمام القارئ بسلاسة وجاذبية هي بعيدة كل البعد عن جمود التوحش الذي يستلزمه تناول موضوع للتكفير.

القارئ الذي لا يعرف سيرة محمد بن عبدالوهاب ولا سيرة رجال الدولة السعودية الأولى، سيهوله حجم العنف والتوحش المروي في هذه المصادر الرسمية، والقارئ خصوصا السعودي المشبع بهذه السيرة التي يدرسها ضمن تربيته الوطنية والدينية باعتبارها صاحبة الفضل في تأسيس هذه الدولة، ستصدمه أسئلة الكتاب النقدية، فهي أسئلة صادمة للوعي السعودي، فالكتاب يخاطب: من يرفض التكفير، ومن يقدس رجالاته.

أتوقع أن كل الأسئلة التي يفتتح بها الديري كل فصل من فصول الكتاب، ستشكل  صدمة للوعي السعودي الذي تربى على التعاطي مع سيرة محمد بن عبدالوهاب كمقدس، أو التي تعاطت مع سيرته على أنها سيرة مقدسة للرجل الذي “أحيا الدعوة النبوية”، وشكل الهوية الدينية والوطنية. وهذه هي بحسب تسمية الباحث (الهوية السردية) التي سرد قصصها (تاريخ ابن غنام) بشكل يفضي إلى المفخرة والاعتزاز بأمجاد وغزوات وفتوحات جيش الدرعية. على وقع هذه السردية تربى العقل السعودي وعلى وقائع غزوات جيش المسلمين كما يسميهم ابن غنام، تكون وجدان هوية المواطن السعودي.
نجح الديري في تعرية هذا المقدس وبالتالي نجح في ضرب أو تهشيم صورة هذه الهوية، دون أن يقع في فخ الأدلجة ودون أن ترتد إثاراته سلباً على قوة ما نقله.

في كتابه يسأل علي الديري: كيف يرى الذين وقع عليهم الغزو من قبل ذوي الإسلام (حسب تسمية عنوان كتاب ابن غنام) هويتهم اليوم؟

من هم “الذين وقع عليهم الغزو”؟ أليسوا هم أنفسهم من يدرسون اليوم سيرة ابن عبدالوهاب كهوية مقدسة لـ”الأمة السعودية”؟ أليسوا هم أنفسهم من يدافعون عن السيرة التي توثق وقوع الغزو على أجدادهم الذين اتهمهم محمد بن عبدالوهاب بالشرك والكفر؟

ما الذي أراده الديري من خلال سؤاله هذا؟ لعلها الصدمة التي ستسهل تهشيم شي من السردية السعودية لسيرة الرجل. وهي الصدمة التي ستشكل استفزازاً يستدعي اهتمام القارئ لمعرفة ما يود الكاتب قوله… وبمعزل عن النتيجة فإنه سيسجل للكاتب أن فتح منفذاً في العقول التي دُجنت على تقديس سيرة محمد بن عبدالوهاب، وأنه نجح في إحالة هذا المقدس إلى النقد الذي يهشم صورة هذه القداسة .

“أين هم الذين كان سيف ذوي الإسلام ضدهم؟ أين مكانهم في هذه الهوية؟”

“من هم الذين يقعون خارج الأمة التي رسم حدودها محمد بن عبدالوهاب؟”

يطرح الديري سؤاله من ضمن إثاراته النقدية، هو يسأل بالفعل عن مكان المكونات السعودية غير المتوافقة مع أطروحات ابن عبدالوهاب في الخارطة السعودية المجتمعية. ينتقد حدود الأمة التي رسمتها معتقدات ابن عبدالوهاب، والتي شكلت لاحقاً دولة ضمت كفاراً ومشركين أُعملت سيوف الوهابية في رقابهم باسم التوحيد. ويتساءل عن هوية المجتمع التي محتها الدولة السعودية الأولى، لتعيد صياغتها مجدداً على مقاس دعوتها الدينية ومصالحها السياسية. يغيب عن هذه الهوية السردية (أو المسرودة من قبل ابن غنام)  كل ما قبل ابن عبدالوهاب، ويغيب عن هذه السردية كل ما هو متعلق بتاريخ وهوية كل من ناوئ أو عارض الرجل. لعل الديري يسأل السعوديين اليوم:

أين تاريخكم الذي استبق ظهور ابن عبدالوهاب؟

أين الإنتاجات الفكرية لمجتمع الأكيد أن عمره لم يرتبط بولادة ابن عبد الوهاب فقط؟

كيف كانت نجد، التي وصفها مؤرخو المملكة بأنها كانت بلاد شرك، قبل مجيء الرجل؟

كيف كانت الحركة العلمية فيها؟ من هم أبرز علمائها قبل عميد الوهابية؟

في تساؤلاته التي تركها مفتوحة بلا إجابات، حاول الديري تحريك الوعي السعودي الذي دفنته هذه السيرة، وروضته ليقبل بأن لا تاريخ لمجتمعه وأجداده استبق تاريخ محمد بن عبدالوهاب. هكذا تحدث تساؤلات الكتاب صدمة لا يمكن الهروب منها، ولا بد من التوقف عندها، وهكذا تدفع الأسئلة القارئ للتعاطي مع النص بأسلوب مختلف، وعلى النظر إليه من زاوية مختلفة.

ليست هذه الأسئلة المثارة من خلال هذه (الهوية السردية) موجهة للقارئ أو المواطن السعودية فقط، بل هي برسم الدولة السعودية اليوم، إنها أسئلة تضرب صورة المملكة السعودية بواقعها الحالي الذي يفخر بماضيه القائم على غزو القبائل وقتل المعارضين وتكفير المخالفين وصرم نخيلهم وتخريب زروعهم وسلب أموالهم باسم الدين. بل ويُمعن واقع الحال في سياق هذا الفخر بإعادة طبع الكتب التي تروي هذه الوقائع وتوثق هويته السردية، ليقول: هذه هويتي وهذا أصلي وهذا توحيدي المتوحش… وعليه فإنه واقع حالي.

إسراء الفاس*
*إعلامية وصحافية من لبنان.

النصوص التي تلهم التكفيريين

ما هي النصوص المتوحشة التي تلهم التكفيريين؟

يجب قراءة النص المتوحش في سياقه السياسي أي سياق اقترانه بالسلطة أو سياق سعيه لامتلاك السلطة، إن السلطة هي التي تمتلك قوة الأمر وقوة التنفيذ، والخطورة تكمن في أن تكون نصوص التوحش برسم السلطة.

 قراءة: باسمة عيسى*

يتألف كتاب “نصوص متوحشة … التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية” لمؤلفه الباحث والصحافي البحريني علي أحمد الديري والصادر عن مركز أوال للدراسات والتوثيق، من تمهيد ومدخل وثلاثة فصول، في كل فصل دراسة معمقة لتراث واحد من رموز فقهاء التوحش ومنتجي شعارات التكفير، الأول أبو حامد الغزالي (ت 505هـ / 1111م) في كتابه (فضائع الباطنية وفضائل المستظهرية) في المرحلة السلجوقية، والثاني محمد ابن تومرت (ت 524 هـ / 1130م) في المرحلة الموحدية، والثالث ابن تيمية (ت 728 هـ/ 1328م) في المرحلة المملوكية. حاول الديري الرجوع إلى المنابع المؤسسة لثقافة التوحش وإهدار الدم بذريعة الدين، وربط سياق الجذور التاريخية لهذه المفاهيم بما يجري في عالم اليوم من مآسٍ وحروب باسم الدين، بغية تعرية هذا التراث الدموي وإدانته، وتأسيس رؤية دينية أكثر تسامحاً وإنسانية تحترم إنسانية الإنسان، وتصون حقوق البشر، وتنصف محاسن الحياة بكل تجلياتها الإنسانية.
يقرأ الباحث في كتابه “نصوص متوحشة … التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية”، نصوص التوحش كما يطلق عليها، كمشاريع سياسية أو مرتبطة بالسياسة، ويؤكد أن الإيمان ممارسة وعمل وليس مجرد عقيدة، وكذلك التكفير ليس مجرد معتقد، بل هو عبادة في خطاب التكفيريين تستدعي الممارسة. ويناقش الكاتب تلك النصوص من التراث الإسلامي باعتبارها نصوصاً فُرضت كعقيدة دينية وجهادية قامت بتكفير بل أوجبت تكفير كل مخالف لها، في الفترة الممتدة بين القرنين الخامس والسابع الهجري في الشام والعراق ومصر.
من هنا يجب قراءة النص المتوحش في سياقه السياسي أي سياق اقترانه بالسلطة أو سياق سعيه لامتلاك السلطة، إن السلطة هي التي تمتلك قوة الأمر وقوة التنفيذ، والخطورة تكمن في أن تكون نصوص التوحش برسم السلطة. اذاً التكفير بنظر الكاتب هو موضوع سياسي من حيث الدوافع والخلفيات، وهو بمثابة استراتيجية تضعها السلطة السياسية لمواجهة معارضيها، بل هو العدو الذي تصنعه الأحزاب الأيديولوجية أو الأحزاب الحاكمة في الدول الحديثة، لتحشد قواها الاجتماعية والسياسية ضده، وتحقق عبرها وحدة جبهتها الوطنية.
لقد صاغ الغزالي والسلاجقة وابن تيمية والمماليك وابن تومرت والموحدون، فصولاً وفتاوى متوحشة بحسب الكاتب، هذه الفتاوى أسست للتعاون بين رجال الدين ورجال السياسة، فالقتل والتكفير كانا دائماً لأسباب سياسة هدفها الترويج لمنهج الخليفة ولازمة سيطرته.وبحسب الكاتب، فإن تنظيم داعش وجبهة النصرة والجماعات الإسلامية المتطرفة التي ظهرت اليوم في المناطق نفسها التي تناولها كتاب الديري، ليست عملية مستجدة أو غريبة عن تراثنا، وليست نتيجة حتمية للجهل والتطرف التكفيري كما يروج لها البعض، بل هي صنيعة الفتاوى والمعتقدات القديمة والتي أسست عليها دولنا.وقد انطلق الكاتب من فرضية أن (الوحش يكمن في أرثوذكسية السنة السلجوقية)، وحاول تفسير السياق التاريخي والسياسي من خلال هذه الفرضية، مما أعطى مبرراً ومكّن هذه النصوص من أن تكون لها شرعيتها الدينية ومكّنها من تثبيت أطروحاتها ضمن الحس الإسلامي العام. ويستغرب الكاتب كيف أصبح التكفير موضوعاً سياسياً يشرعنه الفقهاء (رجل الملة) ، ضمن أجهزة الخلافة الإسلامية (رجل الدولة).
هنا فسّر الديري معنى الأرثوذكسية من خلال عرض تفسير المفكر الجزائري محمد أركون، الذي يعتبر أول من استخدم مصطلح تفكيك الأرثوذكسية في قراءته للتراث الإسلامي، والتي تشير في معناها الحرفي الى “الطريق المستقيم” الذي يعتبر بمثابة السنّة الصحيحة، أي طريق النبي، حيث دعا اركون الى تفكيك هذه الأرثوذكسية، أي تفكيك النصوص التي تّدعي أنها وحدها تمثل الإسلام الصحيح، والمراد من تفكيكها هو إعادة إنتاجها، بعد تفكيك السياقات السياسية والتاريخية التي تقوم عليها. وقد صاغت خطابات التكفير والتوحش في ثقافاتنا، أسماء كثيرة، منهم الغزالي في كتابه (فضائح الباطنية ) و(الاقتصاد في الاعتقاد)، وابن تومرت في كتابه (أعز ما يطلب) وابن تيمية في كتابه (العقيدة الواسطية)، مجمل هذه الكتب مبنية على خطاب التكفير.

 الغزالي والتفكير السلجوقي

توقف الديري في الفصل الأول من كتابه عند فكر أبي حامد الغزالي، ودرس كتابه (فظائع الباطنية وفضائل المستظهرية)، وانطلق من هذا الكتاب لإيضاح المقصود من نصوص التوحش، لافتاً القارىء إلى الفصل الثامن من الكتاب والذي تناول فيه الغزالي قضية تكفير الباطنية التي يقصد بها الإسماعيليين على وجه الخصوص، وضمناً تدخل فيها باقي الفرق الشيعية، ووجوب سفك دمائهم. سنرى الموت الجديد مبعوثاً من نصوص الغزالي الذي صنّف مَن ليس من أهل السنة الصحيحة بنظره، بين كافر ومرتد. قصد بذلك الإسماعيليين والفاطميين في عهده الذين اتهموا بالتحالف مع الصليبيين، مما أدى إلى هزيمة المسلمين واحتلال بيت المقدس.
فقد أُخفي جزء كبير من تاريخ الإسماعيليين والفاطميين، فقط لأنّهم لم يكونوا على مذهب الخليفة العباسي والسلاجقة الحاكمين باسمه. هكذا عمل نظام الملك، عبر أجهزة الدولة، وأحد أهم ادواتها المدارس النظامية على صياغة الأرثوذكسية السنية، بمعنى أنه وضع التسنّن المستقيم الصحيح الذي على الجميع أن يلتزم به، وأن العقيدة الصحيحة هي العقيدة التي أرساها الأشعري وما عداها ضلال وباطل وكفر. فقد أنشأ نظام الملك العديد من المدارس النظامية في العراق بهدف مواجهة المد الاسماعيلي الذي كان يقوم على اجتذاب الموالين له عبر القدرة الإقناعية المبنية على المنطق والفلسفة وأساليب الدعوة، حيث كان الدُعاة الاسماعيليون متمكنين تماماً من الحجة والمنطق والفلسفة.
وأراد نظام الملك أن ينشئ جهازاً يبرمج العقول وينتج جيشاً من الفقهاء يقومون بعمل مضاد لعمل هؤلاء، حيث اعتمدت المدارس النظامية المذهب الشافعي وطرحته بطريقة متعصبة جداً، وقد أفسح نظام الملك المجال للمذهب الحنفي لأن السلطان السلجوقي كان حنفياً. واستطاع نظام الملك أن يُخرّج في كل عام فريقاً كبيراً من طلاب العلم المشبعين بالبرنامج الذي أراده وأقرّه، كما استطاع تسميم عقائد الاسماعيليين وكل الفرق التي لها يتفق مذهبها مع مذهب الدولة.في كتاب “فضائح الباطنية” للغزالي، يتوغل الديري في نصوص التوح، التي تضيق بالمختلف الآخر الى درجة تكفيره وتضليله وسفك دمه، ويقول إن موقف الغزالي من الباطنية أساسه عدم إيمان هؤلاء إيماناً يتوافق مع أرثوذكسية إسلام السلطة في نهاية القرن الخامس الهجري.
وضع الغزالي الباطنية في مرتبتين: إحداهما توجب التخطئة والتضليل والتبديع، والأخرى توجب التكفير والتبرّي، وتحدث عن الصريح والكفر، الصريح في القرآن لا يقبل التأويل، وتأويله يُعد تكذيباً، ومن يكذب صريحاً في القرآن يعد كافراً، هكذا وظف الغزالي معرفته بالمنطق الأرسطي. وتحدث عن إنكار الحور العين، في سياق تدعيم فكرة تكفير من يكذب الصريح، حيث استخدم الغزالي افتراضاً يقول فيه “لو صرّح مصرّح بإنكار الجنة والنار والحور والقصور في ما بين الصحابة، لبادروا الى قتله واعتقدوا ذلك منه تكذيباً لله  الرسول”، والى ما ذلك من النصوص.ويستعير الديري ما يطلق عليه “فرهاد دفتري” أبرز المؤرخين المتخصصين في التاريخ الإسماعيلي في عالم اليوم، مصطلح (الخرافة السوداء) لوصف عمليات التشنيع التي مارسها الغزالي وغيره من علماء الخلافة العباسي ضد الإسماعيليين، كما أسهم الصليبيون الذين اشتبكوا مع الإسماعيليين في صناعة هذه الخرافة.يتوقف الكاتب عند الجزء الثاني من عنوان كتاب “فضائل المستظهرية” ليشير به إلى لقب الخليفة العباسي المستظهر بالله، فقد أراد الغزالي فيه تركيز شرعية الخليفة العباسي كخليفة حق، وولي أمر مفترض الطاعة، مقابل الباطنية كأهل باطن خارجين على ولي الأمر والإسلام وإجماع الأمة، مستنفراً جميع قدراته الأصولية والمنطقية بالقدر الذي يفوق ما بذله في فضح الباطنية وإثبات كفرهم.لقد بلور نظام الملك أطروحة سياسية بالغة الدقة في كتابه الذي يعد واحداً من النصوص الدينية المتوحشة، وهي سياسة مثّلت الخلافة العباسية التي كان يحكم السلاجقة باسمها.
هذه النصوص بقيت ولا تزال تعمل إلى اليوم، وسياسة نظام الملك هي التي أنتجت هذه النصوص التي أتت في فترة متأخرة عنها. من هنا يرى الديري أن هذا النص الذي تركه الغزالي لنا في التعامل مع المختلفين سياسياً في لحظة صراع سياسي، يؤسس لحالة تفتح مجال التكفير على مدى الزمان، لأن الغزالي لم يشرّع لحرب هؤلاء لأنهم فقط باغون، أو لأنهم ضد الدولة، أو لأنهم أعداء، وإنما هو أسس نصاً خطيراً في تكفيرهم. نص التكفير يبقى لأنه بمثابة الحكم الشرعي الباقي ما بقي الزمان، بل إن نص التكفير يبقى ويستخدم ويولّد نصوصاً أخرى، ويجعل الاختلافات السياسية حالة عداء لا تنتهي، في حين أن الخلاف السياسي قد ينتهي.

 ابن تومرت ونصوص التوحش الموحدية
وإلى المغرب العربي والأندلس حيث يدرس الفصل الثاني من الكتاب نصوص الفقيه المغربي ابن تومرت رجل دولة الموحدين الأول، فقد بذل ابن تومرت مجهوداً كبيراً، ليأخذ العلم ويطلع على مكونات العقل الأرثوذكسي في أرضه الخاصة بالذات ويكتسب المشروعية الدينية. وتقول الروايات إنه تأثر كثيراً بالغزالي حتى أنه إلتقاه ودرس في المدارس النظامية التي أسسها الغزالي، والتي تعد جهازاً لتكوين نسخة مسيّسة من العقيدة الأشعرية.
ويعتبر ابن تومرت أحد الشخصيات الدعوية التي بنت دولتها على هذه العقيدة، وقد وجد ابن خلدون في هذا البناء إحدى ركائز نظريته في الدولة التي تقوم أولاً على العصبية القبلية وثانياً على الدعوة العقائدية.عاش ابن تومرت في بيئة أضعفها التفكك وأنهكها التهديد الصليبي للوجود الإسلامي في الأندلس والمغرب، وقد جاء وهو يفكر في مشروعإانقاذي يعطي للمسلمين بعضاً من هيبتهم المفقودة وعزهم المسلوب. ويرى الكاتب أن ابن تومرت هو أحد منتجي نصوص التوحش، وقد تعززت هذه الرؤية بعد دراسة شخصية ابن تومرت الذي قام برحلة مشرقية كونت مفهومه للسُنة، أي مفهوم العقيدة الأرثوذكسية أو الطريق المستقيم والصحيح، أو الإسلام الذي يراه من وجهة نظره إسلاماً صحيحاً يقود الى آخرة مضمونة للجنة.
ابن تومرت ابن عشيرة (هرغة) المنتمية الى قبيلة (المصمودة ) البربرية، احتاج الى بلورة عقيدة صلبة تنظّم قوة قبيلته لبناء دولة قوية، على الرغم من توافر الركن الأول لبناء الدولة لديه، وبدأ يشتغل على العقيدة، فكان المشرق المكان والرحلة والمدرسة، في نظرة ابن تومرت نجد لذة الجهاد هي نفسها عند السلاجقة، ومدرسة المعروف والمنكر أيضاً هي ذاتها كانت عند السلاجقة، أي أنهم ينطلقون من النسخة الأرثوذكسية نفسها، والعدو الخارجي نفسه (الصليبيون)، غير أن العدو الداخلي كان مختلفاً، السلاجقة كان عدوهم الباطنية، وابن تومرت عدوه المرابطون. وسيحتاج جهداً مضاعفاً لصناعة نصوص التوحش، وهو بحاجة الى أن يرد على الفقهاء المالكيين الذين يقفون معه على الأرضية نفسها.بلوّر ابن تومرت رؤيته عبر خطبه ورسائله ومناظراته التي ستُجمع فيما بعد، حين تتمكن دعوته من تكوين دولة، في كتاب أطلق عليه “أعز ما يطلب” الذي أصبح فيما بعد دستور الدولة الموحدية، وبدأ في تحديد ما هو الإيمان الصحيح وعلى أساسه بدأ دعوته وخاض مناكفته للدولة المرابطية. وبهذه الطريقة وظف مفهومه للسنة والألوهية توظيفاً سياسياً.
وفي الكتاب المذكور لابن تومرت، يذكر الديري أن نصوص التوحش والتكفير التي احتواها الكتاب، فاقت بكثير نصوص التوحش عند الغزالي، حيث نجد شرعنة القتل وسفك دماء كل من يختلف عن الدولة الموحدية.يقدم ابن تومرت كتابه باعتباره يفتح أبواب العلم الذي جعله الله سبب الهداية الى كل خير، إنها أبواب تفتح لنا أعز ما يطلب، كما يقول، ولكن حقيقتها تفتح أبواب جهنم على المرابطين. ومن عناوين هذه الأبواب: (باب في وجوب بغضهم ومعاداتهم على باطلهم وظلمهم )، ( باب في تحريم طاعتهم واتباع أفعالهم)، (باب في وجوب جهادهم على الكفر والتجسيم وإنكار الحق واستحلال دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم)، (باب في وجوب جهاد من ضيّع السنة ومنع الفرائض)، ( باب وجوب جهادهم على ارتكاب المناكر والفجور وتماديهم على ما لا يؤمرون به). ويحشد في هذه الأبواب الكثير من الآيات والأحاديث لكي يطبقها على المرابطين. ويذهب المؤلف في مناقشة تفاصيل الصراع الذي نشب بين فقهاء المالكية والموحدين، إذ اعتبروهم من الخوارج بسبب العنف الذي قاموا به وبسبب خطابهم التكفيري لأهل السُنة.
ومن المفارقات الغريبة أن ابن تيمية وتلميذه الذهبي يستنكران على ابن تومرت ودولته سفك دماء المسلمين، والحكمة بشرعنة هذا السفك، ويتناسيان أنهما حين جاءا بعد وفاة ابن تومرت بأكثر من 130 عاماً، قد أنتجا نصوصاً أكثر توحشاً وتشدداً.
ابن تيمية والتكفير المملوكي
 في الفصل الثالث يستعرض الديري نصوص ابن تيمية وأثرها في تأسيس بذور الخطاب التكفيري في التراث الإسلامي، ويؤكد على مساعي ابن تيمية لتكوين العقيدة الرسمية للمماليك وهي عقيدة ابن حنبل، ولكنه لم ينجح وكان مصيره السجن. وبقيت نسخة ابن تيمية لعقيدة أهل السنة والجماعة تنتظر لحظة محمد عبد الوهاب، الذي نجح في جعلها عقيدة رسمية للدولة السعودية الأولى بعد ميثاق الدرعية عام 1745م بين رجل الملة محمد عبد الوهاب ورجل الدولة محمد ابن سعود.

يستعرض المؤلف نصوص ابن تيمية وأثرها في تأسيس بذور الخطاب التكفيري في التراث الإسلامي، ويذكر بعض النقاط التي أثّرت في تكوين ملامح الخطاب السياسي لدى ابن تيمية، الذي جاء في عصر انتهت فيه الدولة الأموية والدولة العباسية في مرحلتيها الأولى والثانية، وانتهى عصر الخلافة الراشدة. مع ولادة ابن تيمية، مضت خمس سنوات على سقوط  بغداد على يد المغول، واهتزاز المركز الإسلامي للخلافة الإسلامية، وانتهينا من دولة السلاجقة الي كانت ضمن الخلافة العباسية، وانتهينا من الدولة الزنكية التي كانت امتداداً للدولة السلجوقية وسلاطينها، وانتهينا من الدولة الأيوبية التي أسسها صلاح الدين الأيوبي، القائد العسكري في الدولة الزنكية.لمع اسم ابن تيمية عقب الانتصار الذي تحقق للمماليك على المغول المسلمين في حرب إسلامية – إسلامية في معركة ” شقحب”، فقد وضع مشروعية لهذه الحرب وأنتج من خلالها نصوصاً تكفيرية متأثرة بهذا الجو، وقد أفتى لهم بالإفطار في رمضان ليتمكنوا من تحسين أدائهم في المعركة. وخرج ابن تيمية من كل ذلك بنجومية كاسحة نافس بها السلطان المملوكي نفسه، لذلك خشي السلطان الناصر بن قلاوون أن ينافسه أو ينقلب عليه، من هنا جاءت مقولة ابن تيمية الشهيرة “أنا رجل ملة لا رجل دولة” بمعنى أنه قال للسلطان: “لا تخشَ أن أنازعك في الملك”.يجري خطاب التكفير عند ابن تيمية وفق محددات السياسة، بمعنى أن ما حددته السياسية أنه كفر فهو بالنسبة لإبن تيمية كفر، وهذا ليس بمعنى الامتثال المباشر أو الخضوع إلى قرار سياسي، وليس بمعنى أنه لا يراعي الضوابط الشرعية، لكن باعتبار أن خطاب من يتحدث باسم أهل السنة والجماعة لا يمكن أن يخرج على خطاب السياسة، ذلك فإن إحدى مقتضيات الدين الأساسية عند أهل السنة والجماعة، هو عدم جواز الخروج على الإمام أو الخليفة حتى لو كان فاسقاً أو مغتصباً للخلافة أو شارباً للخمر أو ظالماً أو مستولياً على السلطة بالقوة، كما يوضح الكاتب.تحدث الديري عن ابن تيمية ونقده للأشعري، حيث أصبح سلفياً يرفض فكرة التأويل ويأخذ الصفات كلها حتى لو فهم من ظاهرها أنها تمثل تجسيماً أو تجسيداً.
وبرغم أن ابن تيمية وأتباعه يرفضون فكرة التجسيم والتجسيد والتشبيه، ويقولون نحن لسنا من أهل التجسيد، لكن خصومهم يقولون لهم إنكم بالإيمان بهذه الصفات على ظاهرها تجسمون وتجسدون. هنا أعاد ابن تيمية الخلاف مع الأشعري والأشعرية بعد أن أصبح هذا المذهب سائداً ومعروفاً ومسلماً به، أراد ابن تيمية أن يقول إن مذهب أهل السلف ليس هو مذهب الأشعرية، بل المذهب الصحيح هو مذهب أحمد بن حنبل، وهو مذهب الأشعري في كتابه “الإبانة”، وأن الأشعري قد تم تأويله من جماعته تأويلا خاطئاً.
وقد كتب ابن تيمية مطلِق القرن الرابع عشر الميلادي فتوى تاريخية شهيرة أرسلها إلى سلطان الممالك الناصر بن قلاوون، أعطى فيها المشروعية الدينية لتنفيذ مذبحة كسروان التي قام بها 50 ألف جندي من المماليك ضد الشيعة فيما عرف بـ(فتوح كسروان) وهي تسمية مشتقة من تهنئة الفتح التي وردت في نص الفتوى. ويعتبر المؤلف أن فتوى ابن تيمية يمكن عدّها فصلاً ملحقاً بكتاب (فضائح الباطنية) للغزالي، فهو يستعمل بعد 217 عاماً، تسميات الغزالي وتوصيفاته، ويتتطابق مع موقفه الشرعي والسياسي وعرضه لعقائد الإسماعيليين وكل ما هو مكوّن في الصورة الذهنية عن هؤلاء.أصبحت نصوص التكفير والتوحش لوائح اتهام سياسي جاهزة للاستخدام والتوظيف ضد الخصوم السياسيين والعقائديين، والفرضية التي ينطلق منها الديري في دراساته صاغها في هذه الجملة المختصرة: (الوحش يكمن في – أرثوذكسية السنة السلجوقية – هذا هو الوحش الذي يسرق وجوهنا) فـنص التكفير يبقى ويستخدم ويولّد نصوصاً أخرى، ويجعل الاختلافات السياسية حالة عداء لا تنتهي، في حين أن الخلاف السياسي قد ينتهي. ويصف الكاتب أفكار ابن تيمية بالمضطربة في مسألة التكفير بشكل عام، فقائمة ابن تيمية للتكفير تزيد وتتناقص،  وقد لخص الديري قائمة التكفير من وجهة نظر خطاب ابن تيمية، التى تشمل الفلاسفة والصوفية والباطنية والرافضة والجهمية، وتشمل حالات يمكن أن تنطبق على شخص مسلم أو جماعة مسلمة أخرى.

 *كاتبة وإعلامية لبنانية

وثيقة من «مركز أوال للدراسات»

وثيقة من «مركز أوال للدراسات» تكشف: الحاكم السابق حمد بن عيسى (الأول) تآمر لعزل الشيخ خلف ونفيه إلى العراق

مرآة البحرين-خاص: ضمن الحلقة الثانية من ملفها «الشيخ عيسى قاسم والملك… الصورة المفقودة»، نشرت «مرآة البحرين» تفاصيل وثيقة هامة من الأرشيف البريطاني، حاز عليها «مركز أوال للدراسات والتوثيق»، واطّلعت عليها المرآة بشكل خاص.

وتكشف الوثيقة معلومات جديدة حول قضية الزعيم الشيعي الكبير، الشيخ خلف العصفور، خلال عشرينات وثلاثينات القرن الماضي.

وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي يكشف فيها عن تفاصيل هذه الوثيقة، التي ينتظر أن تنشر مترجمة مع باقي الأرشيف البريطاني عن البحرين، في وقت لاحق من هذا العام،  ضمن مشروع هو الأضخم من نوعه، يقوم عليه «مركز أوال للدراسات والتوثيق».

تروي الوثيقة الصادرة في مارس/آذار 1927، أن الحاكم السابق حمد بن عيسى بن علي (حكم من 1923-1842) تآمر بشكل كامل لعزل ونفي قاضي الشيعة وزعيمها وقتئذ الشيخ خلف العصفور من منصبه الذي كان أول من اعترفت به الدولة فيه، وتقول الوثيقة وهي رسالة من المقيم السياسي البريطاني في الخليج إلى وزير خارجيته، إنه تردّد في قبول طلب الحاكم عزل الشيخ خلف ونفيه، كونه أبرز داعمي إصلاحات الميجور ديلي، التي أطاحت بحكم عيسى بن علي المضطّهد للشيعة.

وتكشف الوثيقة خيوطا متشابكة حول الظروف الغامضة التي عزل فيها الشيخ خلف، ونفي من البلاد إلى العراق.

مركز أوال للدراسات والتوثيق هو مؤسسة بحرينية، أنشئت في العاصمة البريطانية لندن في 2013، ويعنى بقضايا الخليج عامةً والبحرين بشكل خاص، ويهدف إلى “حفظ الذاكرة الوطنية البحرينية عبر توثيق كل المستندات الورقية والإلكترونية المتعلقة بهذه الذاكرة، ومواكبة الأحداث المستجدة أولاً بأول”.

وبخلاف مشروع ترجمة الأرشيف البريطاني الضخم، أطلق المركز في 2 مايو/ أيار 2016 محركا للبحث الإلكتروني يحتوي على نحو 40 ألف وثيقة، كما أصدر المركز العديد من الكتب السياسية والاجتماعية، منها ترجمة لكتاب «ما بعد الشيوخ» لكريستوفر ديفيدسون، وترجمة لكتاب «صراع الجماعات والتحشيد السياسي في البحرين والخليج» لجستن غينغلر، وأعاد نشر كتاب «القبيلة والدولة» لفؤاد خوري، كما نشر عددا آخر من الكتب لباحثين بحرينيين وخليجيين، منها كتاب «نصوص متوحّشة» للدكتور علي الديري، وكتاب «داعش من النجدي إلى البغدادي… نوستالجيا الخلافة» لفؤاد إبراهيم، وسلسلة بحوث ودراسات أخرى متعلقة بالتاريخ والسياسة والأدب في البحرين والخليج.

وتروي المجلدات التي سيصدرها المركز مترجمة من سجلات البحرين في «الأرشيف البريطاني»، الأحداث التي شهدتها البحرين خصوصًا ومنطقة الخليج عمومًا في الفترات الممتدة من العام 1820 حتی العام 1971، كما تحوي عددًا كبيرًا من المراسلات بين البحرين وعدد من الأطراف منها الحكومة البريطانية والمقيمية البريطانية والحكومتين الفارسية والتركية.

رابط الموضوع

كلمة عن أرشيفو

كلمة سكرتيرة تحرير مجلة أرشيفو

قد يتساءل البعض: لماذا كل هذا الجهد في مجال الأرشيف؟

لأنه، وبكل بساطة، “من دون وثائق ينتفي وجود المرء أيضًا”، فوجود الأشخاص والشعوب والحضارات مقترنٌ بما تخلّفه من شواهد، والوثائق هي تلك الأدلة الثبوتية على بصمات مرورها في الزّمن.

من هنا وُلِدت “أرشيفو”، المجلة الصادرة عن مركزنا، لتحفظ وجود البحرين، أوال سابقًا،  وتقيها من المحاولات العابثة لمحو ذاكرتها ووجودها.

كلمة “أرشيفو” مشتقة من كلمة برتغالية توازي كلمة “أرشيف” باللّغة العربية، وقد اخترنا  الاسم للدلالة على وحدة جذر التسمية في اللغات، والاهتمام العالمي المشترك بالأرشيف.

تتضمن “أرشيفو” أبوابًا تتراوح بين  بين إبراز الأرشيف كعلم والأرشيف كواقع عملي مُطبَّق ومُعاش،  وتسلط الضوء على مفاهيم الأرشيف وقضاياه واشكالاته، كما تعرض تجارب أشخاص ومؤسسات في التعامل مع الأرشيف على مستوى العالم العربي بجانبيه الشفهي والمكتوب، وتروي حكايا كانت قد تخبأت في زوايا ذاكرة الناس.

أرشيفو، التي صدر منها عددان، تدعو كل مهتم بشؤون الأرشيف للمساهمة في صباغة خطابها وتحرير موادها.  وهي تدرك أنها ما كانت لتُبصر النور لولا جهود القديرين ممّن يهتمون بالتاريخ والذاكرة لأجل الحقيقة وصونها وإعلاء شأنها.

باسم الذاكرة والأرشيف والحقيقة … باسم الوجود… نشكر مشاركتكم … آملين العمل والتّطور معًا لحفظ وجود الحق رغم كل التّحديات المحيطة بنا.